هاجر السيد الصدر للمرة الثالثة الى لبنان سنة 1960 م، ولمدة شهر واحد، ليتعرف أكثر على ظروف الناس، وبعد اطلاعه على مستوى الحرمان شعَر بعظَمة التكليف وقرر البقاء في لبنان خلافاً لرغبته الخاصة.
وكان من الجلّي للجميع أنه لو استمر الإمام بنشاطه في الحوزات العلمية (بالكفاءات والاستعدادات التي يتمتع بها) لأصبح من المراجع والمفكّرين الهام في عالم التشيّع، لكن هول المأساة في لبنان أقلقه وهزّ كيانه، فضحّى بكل آماله وتحمّل أعباء هذه المسؤولية التاريخية لإنقاذ المجتمع اللبناني بكل طوائفه الإسلامية والمسيحية.
أ. إمامة مسجد الإمام شرف الدين
بعد وصوله الى لبنان، إختار السيد موسى الإقامة في مدينة صور، وباشر مسؤوليته التاريخية بإمامة مسجد المجاهد الأكبر آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين، والذي كان لا يزال يعبق بعطر خطبه ومواقفه الجيّاشة، فوضع السيد موسى بذلك نهاية لانتظار العلامة شرف الدين وأحيا في مسجده دور الهداية والجهاد.
ب. مواجهة الحرمان الثقافي
إكتشف السيد الصدر بعد دراسة معمّقة لظروف الحرمان أنّ سببها الأساسي يعود الى التخلّف الثقافي والاقتصادي، فبدأ مباشرةً في إعداد خطة لمواجهة الحرمان الثقافي بالإضافة إلى التدريس في الكلية الجعفرية (صور) والكلية العاملية (بيروت)، وألقى المحاضرات المنتظمة في المراكز الثقافية والاجتماعية والتربوية، واهتم بإقامة علاقات مباشرة مع الشباب والمثقفين.
ج. الحضور في المراكز المسيحية
إهتم السيد بزيارة المراكز المسيحية الدينية والثقافية، فألقى الخطَب في الكنائس، وحاور الشخصيات المسيحية الدينية والعلمية والسياسية، وتمكن خلال مدة قصيرة أن يجذبهم الى التشيّع وشخصيته الاستثنائية.
د. مواجهة الحرمان الاقتصادي
إعتقد السيد موسى بوجود علاقة مباشرة بين الحرمان الثقافي والاقتصادي، وأنّ لهما تأثيراً كبيراً على القضايا الفكرية والأخلاقية والسياسية والعسكرية، ويقول سماحته في هذا المجال: "ما يدعو للتعجّب أنّ الإسلام يعتبر طلب العلم فريضة واجبة، لكن أكثر الأمّيين هم من المسلمين!، والإسلام يعتبر أنّ النظافة من الإيمان، بينما أكثر الأحياء والأسواق وساخةً هي أحياء المسلمين وأسواقهم، فكيف يصدّق الناس ادعاء المسلمين (بأنّ الإسلام يضمن سعادة الدنيا والآخرة) وهم يغرقون في الجهل والفقر والمرض ويسيطر الفساد والانحراف على سلوك نسائهم وشبابهم وتجّارهم وزعمائهم"؟!..
إنطلاقاً من هذه الوقائع، ومن أجل اقتلاع جذور هذه المعضلات وأبعادها المختلفة، فإنّ نشاط الإمام لم يقتصر على المسجد والمدرسة والجامعة، بل بادر سماحته الى تأسيس مراكز ومؤسسات أخرى ذات أهمية..
هـ. جمعيّة "البِرّ والإحسان"
إهتم الإمام الصدر في العديد من المشاريع والجمعيات الخيرية والثقافية، وأعاد تنظيم جمعية البِرّ والإحسان" في مدينة صور، وتولّى نظارتها العامة، ونجح في القضاء إلى التسوّل والتشرّد في المدينة، وتمكّن من شدّ أواصر الأخوّة والتعاون بين المواطنين من مختلف الطوائف.
و. تفعيل دور المرأة
كان وضع النساء والبنات آنذاك مأساوياً، ولم يكن مطروحاً يومها أمر الحجاب أو عدمه، بل كانت الخطورة في خلاعة المرأة التي فاق فسادها في لبنان كافة الدول الأخرى في الشرق.
ويقول الإمام في هذا المجال: "إكتشفتُ أنّ السبب الرئيسي لهذا الانحراف هو الضياع الفكري والأميّة والابتعاد عن التعاليم الدينية، فقرّرتُ في البداية رفع مستوى الوعي الديني والأخلاقي، لكنّني واجهت عقبتين كبيرتين:
1) ضعف مشاركة النساء في النشاطات العامة،
2) اهتمامهن بالأزياء والموضة وأدوات التجميل..
فلم يكن ممكناً بدايةً دعوتهن لارتداء الحجاب الإسلامي، لذا قرّرنا اعتماد أساليب غير مباشرة، فأعلنت جمعية البِرّ والإحسان عن استعدادها لقبول عضوية النساء ومشاركتهن في نشاطاتها بفعالية، وهكذا، انتسبت للجمعية خلال مدة قصيرة أكثر من مئتي امرأة، وانتخبن ثمانية منهن كأعضاء شكّلن هيئة إدارية نسائية في السنة الأولى. وتطوّر نشاط النساء في الأعمال الخيرية نتيجة حُبّ التضحية والعطاء، فنالت إحداهن جائزة أفضل عضو فعّال في الجمعية لسنة 1960م، ولتطوير علاقتهن بأهداف الجمعية تم تكليفهن بتوزيع المساعدات الشهرية وزيارة العائلات الفقيرة، فأدّت هذه المهمّة الى تحقيق الارتياح النفسي وإحياء الأصالة الإنسانية في نفوسهن، وأدركن أنّ الحشمة والعفّة هي مقوّمات أساسية تضفي على شخصيتهن الحياء والعظّمة.
ز. "بيت الفتاة"
أسّس السيّد الصدر مؤسسة "بيت الفتاة" لتعليم بنات الفقراء الأشغال اليدوية والخياطة، وبعد تخرّجها من الدورة تعود الى منـزلها بروحية عالية ومهنة شريفة وتعمل في منـزلها لتؤمّن احتياجاتها واحتياجات عائلتها.
ح. معهد التمريض
أسّس السيّد الصدر معهد تمريض خاص بالنساء يؤهّلهن لنيل شهادة رسمية في مهنة التمريض ويساعدهن للعمل في المستوصفات والمستشفيات ويحقّق لهن مكانة اجتماعية مرموقة واكتفاءً ذاتياً ويقوم بدور فاعل في خدمة الفقراء والمحرومين.
ط. "مؤسسة حياكة السجّاد"
قامت المؤسسة بتعليم حياكة السجّاد لأكثر من ثلاثمائة بنت من بنات جبل عامل، وكانت المؤسسة تؤمّن أدوات الحياكة لكل متخرّجة لتعمل في منـزلها مقابل أجر محدَّد، كما تولّت المؤسسة بيع السجّاد في معارض خاصّة.
ي. "مؤسسة جبل عامل المهنية"
أسّس الإمام الصدر "مؤسسة جبل عامل المهنية" بهدف إزالة فقر الناس وجهلهم المتراكم منذ عشرات السنين، وتركّز اهتمامها على المحرومين والأيتام الذين استشهد آباؤهم وأمهاتهم بسبب الاعتداءات الإسرائيلية، وكانوا يدرسون نهاراً ويبيتون ليلاً بشكل مجّاني، وكانت المؤسسة تمنح طلابها شهادات رسمية في اختصاصات مختلفة وتساعدهم على تأمين متطلبات حياتهم.
ولم تقتصر المؤسسة على تحقيق التفوّق العلمي، بل شكّلت مصنعاً فكرياً لإعداد الكوادر من خلال إقامة صلاة الجماعة والمحاضرات والنشاطات الإسلامية المختلفة.
وبسبب الاعتداءات الإسرائيلية (المستمرة) كان أساتذة المؤسسة وطلابها يتدربون على فنون القتال ويواجهون إسرائيل في المواقع الأمامية، فقدّموا العديد من الشهداء.
ك. "معهد الدراسات الإسلامية"
تُعتبر الحوزة العلمية في مدينة صور (معهد الدراسات الإسلامية) من المشاريع الأساسية التي أسّسها الإمام الصدر تلبيةً لحاجات الناس الضرورية والدائمة للعلماء والمبلّغين الذين يتمتعون بالبصيرة وتحمّل المسؤولية، فاهتمت بإعداد طلبة العلوم الدينية اهتماماً شديداً، وكان يدرس في المعهد إضافةً الى الطلبة اللبنانيين عدد كبير من أبناء أفريقيا وأندونيسيا والصين وأفغانستان واليابان.. حيث نهلوا من مدرسة أهل البيت (ع) وعادوا الى بلدانهم لنشر رسالة الإسلام والتشيّع فيها.
ويُعتبر العلامة الشهيد السيد عباس الموسوي (أمين عام حزب الله) نموذجاً من خرّيجي هذه الحوزة، وقد وجد الإمام الصدر فيه ملامح شخصية مميزة ورجلاً لن يكون عادياً في مسيرة شعبه، وقد التحق السيد الشهيد بالمعهد بناءً على رغبة الإمام الذي أشار إليه بعد تخرجه من المعهد للسفر إلى العراق لمتابعة دراسته في كنف السيد الشهيد محمد باقر الصدر.
ل. مشاريع وأملاك مختلفة
في بدء ولايته عمل الإمام الصدر على تأمين مقرّ للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في بناء لائق من أربع طبقات على عقار مساحته 6475 متر مربّع، ويحتوي على قاعات واسعة للاجتماعات العامة، ويقع في محلة "الحازمية" بضاحية بيروت الشرقية الجنوبية، وسُجّلت ملكية هذا العقار بإسم أوقاف الطائفة الشيعية.
كما عمل سماحته على تمليك أوقاف الطائفة عقاراً ثانياً بضاحية بيروت الغربية الجنوبية (محلّة "خلدة") مساحته 7904 متر مربّع، ويقوم عليه بناء مؤلف من سبعة طبقات، وأُطلق عليه اسم "مدينة الزهراء الثقافية والمهنية"، وتقوم مؤسسات الطائفة باستخدامه، كذلك، أمّن الإمام لمشاريع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الانتفاع من قطعة أرض مساحتها 15034 متر مربّع من مشاعات بلدة "الغبيري" في ضاحية بيروت الغربية الجنوبية (محلّة الجناح)، وأنشأ عليها "مستشفى الزهراء" التابع للمجلس.
وحقّق سماحته شراء 190 ألف متر مربّع من الأراضي في "الوردانية" (طريق صيدا-بيروت) لتشييد مؤسسات اجتماعية وثقافية ومهنية عليها، وسجّل ملكية هذه الأراضي بإسم أوقاف الطائفة.
كما حقّق الإمام لـ"جمعية البر والإحسان" في صور (التي يتولى نظارتها العامة) شراء 900 ألف متر مربّع في بلدة اللبوة (بعلبك) لإنشاء مدرسة فنيّة زراعيّة ومشاريع أخرى عليها، وعمل على توسيع منشآت وتجهيزات لـ"جمعية البر والإحسان" في صور (وهي من مؤسسات الطائفة ذات المنفعة العامة)، وذلك تحقيقاً لتوسيع المؤسسات المهنية التابعة للجمعية ولإنشاء المدرسة الفنية العالية للتمريض (التي استحدثها)، كذلك أقام سماحته مبرّة الإمام الخوئي لرعاية أبناء الشهداء في برج البراجنة (ضاحية بيروت الجنوبية) وفي بعلبك والهرمل. كما أقام الإمام مراكز صحية في برج البراجنة وحيّ السلّم (ضاحية بيروت الجنوبية)، وأيضاً في مدينة صور حيث أقام مدرسة للتعليم الديني.
م. المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
بدأ الإمام الصدر الرعاية الدينية والاجتماعية موسِّعاً نطاق العمل الديني من خلال المحاضرات والندوات والاجتماعات والزيارات متجاوزاً سلوك الاكتفاء بالوعظ الديني الى الاهتمام بشؤون المجتمع، فتحرّك في مختلف قرى جبل عامل وبعلبك والهرمل والشمال، وعاش سماحته حياة أهل هذه القرى ومعاناتهم من التخلف والحرمان، ثم تجوّل في مختلف المناطق اللبنانية متعرفاً على أحوالها ومحاضراً فيها، وأقام العلاقات مع الناس من مختلف فئات المجتمع اللبناني وطوائفه داعياً الى نبذ التفرقة والطائفية باعتبار أنّ الأديان واحدة في البدء والهدف والمصير، ودعا سماحته الى تفاعل الحضارات الإنسانية ومكافحة الفساد والإلحاد.
وبعد وقوفه على أحوال الطائفة الإسلامية الشيعية ظهرت للإمام الحاجة الى تنظيم شؤون هذه الطائفة، فأخذ يدعو الى إنشاء مجلس يرعى شؤونها أسوةً ببقية الطوائف، ولقيت دعوته معارضة من داخل الطائفة وخارجها، لكن ذلك لم يمنعه من متابعة دعوته، فعقد مؤتمراً صحفياً بتاريخ 15-8-1966م عرض فيه آلام الطائفة ومظاهر حرمانها بشكل علمي مدروس معتمداً على الإحصاءات، وبيّن الأسباب الموجبة لإنشاء المجلس وأعلن أنّ المطلب أصبح مطلباً جماهيرياً تتعلق به آمال الطائفة..
وهكذا آتت الدعوة ثمارها وأقرّ مجلس النواب اللبناني الاقتراح بتاريخ 16-5-1967، علما أنّه سبق وأُقر مرسوماً مشابهاً للطائفة السنيّة في سنة 1955م، وللطائفة الدرزية في سنة 1962 م.
وبتاريخ 23-5-1969 م إنتخبت الهيئة العامة للمجلس الإمام موسى الصدر أول رئيس للمجلس، وأعلن سماحته عن برنامج عمله لتحقيق أهداف المجلس، وقد تضمن الخطوط الرئيسية التالية:
- تنظيم شؤون الطائفة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.
- القيام بدور إسلامي كامل فكراً وعملاً وجهاداً.
- عدم التفرقة بين المسلمين، والسعي للتوحيد الكامل.
- التعاون مع الطوائف اللبنانية كافة، وحفظ وحدة لبنان.
- ممارسة المسؤوليات الوطنية والقومية، والحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه.
- محاربة الجهل والفقر والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد الخلقي.
- دعم المقاومة الفلسطينية، والمشاركة الفعلية مع الدول العربية الشقيقة لتحرير الأراضي المغتصبة.
ن. "هيئة نصرة الجنوب"
على اثر العدوان الإسرائيلي على القرى الحدودية الجنوبية والذي ألحق خسائر جسيمة بأرواح المواطنين الأبرياء وممتلكاتهم وتسبّب بنـزوح أكثر من خمسين ألف مواطن من ثلاثين قرية حدودية، على اثر ذلك بادر الإمام بتاريخ 13-5-1970 الى دعوة الرؤساء الدينيين في الجنوب من مختلف الطوائف وأسّس معهم "هيئة نصرة الجنوب" التي أولت رئاستها للإمام الصـدر ونيابة رئاستها للمطران خريش (أصبح فيما بعد بطريركاً للموارنة)، وتبنّت هذه الهيئة مطالب الإمام الصدر لحماية الجنوب وتنميته.
س. "مجلس الجنوب"
طالب الإمام الصدر السلطة اللبنانية مراراً لتقوم بواجباتها في دعم الجنوبيين، لكنها لم تتجاوب بالشكل المطلوب، فأعلن هجومه ضدها ودعا الى إضراب وطني عام بتاريخ 26-5-1970، فلبّى الإضراب مختلف فئات الشعب، واجتمع مجلس النواب مساء ذلك اليوم وأقرّ تحت ضغط التعبئة العامة مشروع قانون يقضي بإنشاء مجلس الجنوب مهمته المساهمة في تعزيز صمود الجنوبيين والتعويض عن أضرار الاعتداءات الإسرائيلية والإنفاق على مشاريع وخدمات عامة.
ع. مطالب الطائفة
بعد التأجيل والتعثّر (لأسباب معروفة) لم يبق أمام الطائفة سوى أسلوب المطالبة الضاغط، وقد حصل اجتماع برئاسة الإمام في 8-2-1974م (عاشوراء 1393 هـ) وأقرّ المطالب التالية:
- في حقل الوظائف العامة: وعلى أساس العدالة التي يؤكّدها الدستور، نجد أنّ الطائفة الشيعية تشغل في الوقت الحاضر وفي الفئة الأولى على سبيل المثال 19 مركزاً من أصل استحقاقها البالغ 30. هذا مع العلم أنّ الطائفة محرومة من أي مركز في الوظائف العليا الإدارية والقضائية إضافةً للحيف اللاحق بها في مراكز الجيش وقوى الأمن الداخلي، فضلاً عن رؤساء كل مجالس إدارات الدولة. إنّ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يطالب بإنصاف الطائفة الشيعية بشكل سريع عن طريق تعيين أصحاب الكفاءات من أبناء هذه الطائفة في أحد عشر مركزاً من مراكز الفئة الأولى.
- بالنسبة لنوعية المراكز: يرفض المجلس تصنيف المواطنين طائفياً، ويؤكّد بقوّة مطالب القائلين برفض طائفية الوظيفة وضرورة تبادلها بين مختلف الطوائف حسب كفاءاتهم.
- إنّ مسألة الدفاع عن حدود الوطن وعن سلامة المواطنين في أرجاء البلاد هي المسؤولية الأولى للسلطات، وفي هذا الحقل يحتجّ المجلس على إهمال قضية الدفاع عن الجنوب، ولا يمكنه القبول بأعذار ومبررات غير صحيحة أو غير كافية.
- إنّ الألوف من المواطنين في مناطق بعلبك والهرمل والشمال ومناطق أخرى لا يملكون بطاقة هوية لبنانية، وبالتالي يُحرمون من كافة حقوق المواطنية، إنّ هؤلاء لا يمكن التشكيك في لبنانيتهم أو ولائهم الوطني، ولكن ظروفهم الحياتية وسكنهم في مناطق نائية جعلتهم من المكتومين والمعلَّقين.
- في حقل الإنماء: يؤكّد المجلس على ضرورة تنفيذ مشاريع إنمائية في المناطق المحرومة والمتخلفة، وذلك عن طريق قوانين وبرامج ولحظ اعتمادات في الموازنة العامة لكي تصبح المناطق اللبنانية متقاربة المستوى ويطلب المجلس في هذا المجلس تحقيق ما يلي: تنفيذ مشروع ري الجنوب من مياه
الليطاني بإنهاء الجدل حول منسوب المياه واعتماد الدراسات الدقيقة التي وُضعت بهذا الخصوص / إصدار التشريعات اللازمة لتأمين اعتمادات التنفيذ / إلغاء جر مياه الليطاني الى بيروت، والاستعانة بمياه نهر بيروت ونهر ابراهيم / اعتبار الليطاني مشروعاً وطنياً اجتماعياً الى جانب كونه ذا صفة اقتصادية.
- تنفيذ المشروع الجاهز للبحيرات الاصطناعية الذي يروي الأراضي الواقعة في قضائي صور وبنت جبيل (مثلّث يارين-كفرا-يارون) والتي لن تستفيد من مشروع الليطاني.
- تنفيذ مشروع القاع-الهرمل في المرحلة الأولى من الاعتمادات المرصودة منذ العام 1962، وإصدار التشريع اللازم لتامين الاعتمادات اللازمة لإنهاء شبكات الري في المرحلة الأولى وضخ المياه في المرحلة الثانية بحيث يتم تأمين ري سبعة آلاف هكتار (يجب إنشاء عمليات الضم والفرز بحيث تنتهي مع نهاية تنفيذ المشروع للتمكن من الإفادة بصورة صحيحة).
- لحظ الاعتمادات اللازمة لإنشاء الخزّان الواجب تنفيذه في بحيرة اليمّونة القديمة لتأمين ري أربعة آلاف هكتار إضافية مع ما يلزم من اعتمادات لإتمام شبكة الري في الأراضي الواقعة بين دير الأحمر والكنيسة حتى شمسطار.
- تنفيذ مشروع السدود في نحلة-وادي سباط-جنتا-يحفوفا-شمسطار ومشروع ري سهل بعلبك من مياه رأس العين، وري الأراضي من حوش تل صفية وإيعات من نبع عدوس ومشروع منخفض عيحا، ومشروع ري مرجحين- جباب الحمر من عيون ارغش ومشروع مياه اللبوة، وتقويم مجرى الليطاني في أراضي حوش الرافقة-بدنايل-تمنين التحتا، وتزويد بعلبك بمياه نبع البغل ونبع اللجوج.
- إعطاء الأولوية في إنشاء المدارس الرسمية والمهنية ودور المعلمين والمعلمات في الجنوب والبقاع وعكّار، وعدم اللجوء الى تمرير المشاريع المدرسية في المناطق المتقدمة تدريجياً كما هو الحال الآن.
- إنشاء المستشفيات والمراكز الصحيّة في المناطق المحرومة، وتحسين وضع مستشفى الهرمل، وتخصيص الأموال الموجودة في مصلحة التعمير لإنشاء شبكات المجارير في تلك المناطق، وذلك بموجب قوانين نافذة تمنع التصرف الكيفي بأموال مصلحة التعمير.
- تنفيذ مشروع أوتوستراد بيروت-صيدا-صور، وأوتوستراد بيروت-شتورا-بعلبك-الحدود السورية، وتنفيذ مشروع طرق القرى المحرومة.
- تصحيح أوضاع مزارعي التبغ وإنهاء مأساتهم.
- زيادة اعتمادات المشروع الأخضر، ووضع قانون لإعطاء الأولوية للمناطق المحرومة.
- إنماء الثورة الحيوانية، وتعميم المشاتل الزراعية، وتصنيع الزراعة، وإنشاء مصانع لتأمين تصريف المنتجات الزراعية بعد تصنيعها.
- رصد الاعتمادات اللازمة لإنهاء التنقيب عن الآثار في مدينتَي بعلبك وصور خلال مدة عشر سنوات، وإنشاء فندق سياحي في بعلبك مع مشاريع سياحية في كافة المناطق الأثرية.
- إعداد دراسة شاملة للمناجم في مختلف المناطق، وبصورة خاصة النفط الذي تؤكد الدراسات وجوده في لبنان.
- تصحيح قانون توزيع أموال البلديات بحيث يؤمّن العدالة والازدهار لمختلف البلاد اللبنانية.
- العفو العام عن مخالفات البناء لكي يستفيد سكّان ضواحي بيروت وغيرهم من المياه والكهرباء.
- تصحيح أوضاع ضواحي بيروت، وبصورة خاصة الكرنتينا والنهر وحي السلّم وبرج حمّود وتلّ الزعتر وبرج البراجنة.
ف. حركة المحرومين
لم توافق السلطات اللبنانية على مطالب الإمام التي تفاعلت وبلغت ذروتها في سنة 1973م، وأخذت وسائل الإعلام ومحافل السياسة تتناقل هذه المطالب، فأعلن سماحته عن تصميمه على المواجهة السلبية بحال لم تتجاوب السلطة مع المطالب، ولكن في تشرين الأول 1973 حصلت الحرب بين العرب وإسرائيل، وكان لا بد آنذاك من توحيد كافة الجهود في الداخل لمواجهة العدوان الخارجي.
وبعد نهاية هذه الحرب أعلن الإمام معارضته للحكّام لأنهم يتجاهلون حقوق المحرومين، وصعّد حملته بمهرجانات شعبية عارمة كان أضخمها مهرجان بعلبك بتاريخ 17-4-1974 م، ثم مهرجان صور بتاريخ 5-5-1974م، وضمّ كل منهما أكثر من مائة ألف مواطن أقسموا مع الإمام على متابعة جهادهم وأن لا يهدأوا حتى لا يبقى في لبنان محروم واحد أو منطقة محرومة، وهكذا وُلدت حركة المحرومين التي رسم الإمام الصدر مبادئها بقوله: "إنّ حركة المحرومين تنطلق من الإيمان الحقيقي بالله وبالإنسان وحريته الكاملة وكرامته، وهي ترفض الظلم الاجتماعي ونظام الطائفية السياسية، وتحارب بلا هوادة الاستبداد والإقطاع والتسلّط وتصنيف المواطنين، وهي حركة وطنية تتمسك بالسيادة الوطنية وبسلامة أرض الوطن، وتحارب الاستعمار والاعتداءات والمطامع التي يتعرض لها لبنان".
تابع الإمام الصدر تحركه وعقَد لقاءاتٍ مع شخصيات البلاد ورؤساء الطوائف، وبعد حوار مع نخبة من المفكّرين اللبنانيين من مختلف الطوائف وقّع 190 مفكّراً على لائحة تضم المطالب العشرين التي أعلنها..
ص. أفواج المقاومة اللبنانية "أمل"
بعد انطلاقة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتأسيس حركة المحرومين وازدياد الترحيب الشيعي بهما يوماً بعد يوم، ومن أجل مواجهة الاعتداءات الخارجية على لبنان والتصدّي للاعتداءات الصهيونية، كان لا بد من تشكيل جناح عسكري لحركة المحرومين.
وبتاريخ 20-1-1975 م (في ذكرى عاشوراء) ألقى الإمام الصدر خطاباً ثورياً دعا فيه الشعب اللبناني الى تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للاعتداءات الصهيونية والمؤامرات التي تدبّرها إسرائيل، وقال سماحته: " إنّ الدفاع عن الوطن ليس واجب السلطة وحدها، وإذا تخاذلت السلطة فهذا لا يلغي واجب الشعب في الدفاع".
وهكذا، بدأ الإمام الصدر منذ ذلك اليوم وبشكل سري بناء أسس الجناح العسكري لحركة المحرومين، الى أن عقد مؤتمراً صحفياً بتاريخ 6-7-1975م أعلن فيه رسمياً عن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية "أمل" وقدّمها بأنها أزهار الفتوّة والفداء ممن لبّوا نداء الوطن الجريح الذي تستمر إسرائيل في الاعتداء عليه من كل جانب وبكل وسيلة، فيما لم تقم السلطات المسؤولة بواجبها الدفاعي مقابل تلك الاعتداءات التي بلغت ذروتها على الوطن والمواطنين.
وجاء هذا الإعلان على اثر انفجار لغم بدورة عسكرية أدى الى استشهاد 26 وجرح أكثر من 70 في معسكر "عين البنّية".
ويقول الشهيد د. مصطفى شمران في هذا المجال: "منذ ذهابي الى لبنان في سنة 1971م نظّمتُ دروساً في الثقافة الإسلامية، وانتخبتُ من كل قرية واحداً أو اثنين من المعلّمين الملتزمين، فبلغ مجموعهم حوالى 150 شخصاً، واستمر نصفهم حتى النهاية ليشكّلوا النواة الأولى لحركة المحرومين في الجنوب وبهذا الأسلوب نظّمنا نخبة الشباب المؤمنين الذين أصبحوا فيما بعد كوادر حركة المحرومين وأفواج المقاومة اللبنانية "أمل"، وقد توجّه الشيعة أفواجاً أفواجاً للالتحاق بهذه النهضة الرسالية القائمة على أساس العقيدة الإسلامية ومدرسة علي والحسين (ع)، لكننا امتنعنا عن استقبالهم جميعاً لأننا لم نكن بقادرين على استيعابهم، فقرّرنا استقبال المعلّمين والطلاب لنصنع منهم الكوادر لأننا كنّا نعتبر أنّ جميع الشيعة أعضاء في حركتنا ولا داعي لتسجيل أسماءهم في سجلاتها، كما أنّنا لم نشأ أن تتحول الحركة الى دكّان يدخل إليها ويخرج منها كل فكر وإنسان متى يشاء، لا سمح الله تصبح عندها مثل بقية الأحزاب اللبنانية الفاسدة التي تعتمد على الكذب والاتهام وفرض الخوّات وسرقة أموال الناس والدولة وتوزيع المنافع والغنائم.
وقد أكّدتُ منذ البداية بأنّنا أسّسنا حركة وليس حزباً، وأردناها لتهذيب النفس بالدرجة الأولى وليس من أجل المنافع المادية والمصالح الشخصية، وذكرنا الأساس الفكري في البند الأول من ميثاق الحركة (الإيمان بالله..)، فطالما أنّ الإنسان لم يعرف الله ويؤمن به إيماناً حقيقياً لا يمكن أن ينضم الى صفوف الحركة، وأردنا انضمام الإنسان الذي يهدف من حياته لرضا الله، ويقاتل في سبيل الله، ويسعى ليكون خليفة الله في الأرض، وأن تكون صفاته وأعماله مظهر صفات الله وأعماله وباختصار أردنا نموذجاً يمثّل عليّ والحسين (ع).
فعقيدة الحركة هي العقيدة الإسلامية التي أصبحنا الممثلّين لها والمجسّدين لتعاليمها، وليس إسلام المشايخ الجامد وإسلام الإقطاعيين وإسلام العجائز والإسلام التقليدي.. وقد انتشر هذا الفكر وهذه الحركة بسرعة، وأقول بصدق أنّ استمرار هذا الفكر وتقدّمه يعود لبركة وجود الإمام موسى الصدر".