يوم الاثنين الأسبق، وُلدت فكرة لقاء بعبدا بين عون والحريري. لم يُعرف تماماً من كان مطلقها. لكن الأكيد أنها تلقّحت من نقاشات رئيس الجمهورية مع زواره ذلك النهار. كان هناك رئيس حزب يميني سابق، ووزير سابق أيضاً، وإعلاميون أصدقاء، وكان خصوصاً الوزير محمد فنيش، موفداً من قيادة حزب الله.
بدا الرئيس للمرة الأولى منذ شهرين، ميّالاً إلى رفض السوداوية، وإلى اعتبار أن لا أفق منظوراً في مسألة التشكيلة الحكومية. فسأله أكثر من زائر: ماذا ستفعل؟ فأجاب أكثر من مرة، كمن يفكر بصوت عالٍ: سأسعى إلى سلسلة اتصالات بين المعنيين. دار النقاش على دفعات، تبلورت الفكرة تدريجاً، حتى اكتمل الاقتراح: لقاء عون ــــ الحريري في بعبدا، وفي حضرة الرئيس. حين بات التصور ناجزاً، لم يتمكن رئيس الجمهورية من إطلاق تساؤل عفوي، عارف وثاقب: «هل تعتقدون أن الحريري يقبل بالمجيء إلى هناك؟».
يؤكد المطّلعون على تلك المطارحات أن الرئيس كان يدرك حساسية الحريري حيال ما يعدّه صلاحياته الدستورية، وكرئيس حكومة مكلّف. وكان يعرف ـــــ تلقائياً، أو نتيجة تجربة سابقة أو تلميحاً ـــــ أن من لم تصدر مراسيم تكليفه بعد، يتمسك بحرفية حنبلية لأحكام الفقرة الثانية من المادة الـ64 من الدستور: «يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها...». ليست المسألة مجرد تشكيل وشكليات، فهي في العمق مرتبطة بأساس الانقلاب الدستوري الذي أحدثه اتفاق الطائف. وهي في الذاكرة منبثقة من قراءة حريرية خاصة لتجربة الوالد مع أول رئيسين من جمهورية الطائف.
رغم تلك التحفظات، كان المعنيون بولادة الفكرة يدركون أهميتها ويحرصون على إعطائها فرص الحياة. قيل إن المسألة تركت لحزب الله، لينقل الاقتراح إلى الحريري. هكذا، لا يكون الرئيس معنياً بتجاوز صلاحيات من كلّفه، وتكون قيادة الحزب قد أوفت بتعهدها المساعدة على إيجاد المخارج، من ضمن التزامها الكامل، بتضامنها مع حليفها ميشال عون.
حين ولدت فكرة اللقاء في بعبدا، سأل سليمان: «هل يقبل الحريري بالمجيء إلى هنا؟»من بعبدا، انتقل الاقتراح إلى بيت الأسواق التجارية مع الحاج حسين الخليل. قبلت الفكرة، وكان اتفاق على «تخريجها» عبر كلام في أحد الإفطارات. ولما حان موعد التنفيذ، جاءت المفاجأة غير المتوقعة: مبادرة الحريري إلى طرح عقد لقاء مع عون، إما في بعبدا، وإما في ساحة النجمة، غير أن الإضافة لم تكن لتغيّر شيئاً، باستثناء تأكيد شكوك بعبدا، ذلك أنه من ناحية الرابية، حين يكون الخيار بين رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي، يكون الجواب محسوماً. وهو ما تقتضيه عوامل النظرة إلى النظام ومؤسساته وتراتبيّتها، بمعزل عن الأشخاص والأسماء. هكذا، ذهب الرجلان إلى بعبدا. هناك قيل إن الحريري فوجئ ببقاء رئيس الجمهورية طيلة مدة اللقاء. كان يتوقّع نوعاً من رعاية شكلية لبداية الاجتماع، ليتحوّل بعدها ثنائياً، تطبيقاً لمفهومه للمادة الدستورية المذكورة سابقاً. فأضيف إلى الحرج نوع من عدم الارتياح، وانقلبت بعض النيات المسبقة. كانت الحسابات أن يقع عون ـــــ في حالتي الرفض أو القبول ـــــ في مطبّ من ثلاثة: إما أن يتحمّل مسؤولية المزيد من الوقت الضائع الذي تريده الأكثرية، وإما أن يصير في مواجهة مع رئيس الجمهورية، وإما أن يقدم الذريعة الكافية ليخرج من يقول: ها قد استنفدنا كل سبل الوفاق الضائع، فاسمحوا لنا بأن نذهب إلى الخيارات الأخرى، فشلت الخطوة، أو المبادرة ـــــ المناورة.
انتهت إلى ثلاث نقاط: هدنة إعلامية، لم يلبث أن أسقطها بيان قريطم، بلورة التصورات الممكنة للمخارج، واتفاق على آلية للمتابعة.
أما في العمق، فظلت الكرة في ملعب الرئيس المكلف، ليجترح ما يملأ به الوقت، في انتظار ما قالته سفيرة دولة كبرى لأحد النواب قبل أيام: بعد موقف وليد جنبلاط في 2 آب، طلبنا تجميد كل شيء، في انتظار توجيهات لاحقة. وفي انتظارها تكشّف بُعد جديد ـــــ قديم، لما قاله رئيس الجمهورية في الأول من آب، من أن عملية تأليف الحكومة تدعو إلى التفكير «في الثُغر الدستورية التي تعوق قواعد اللعبة الديموقراطية...».
بدا الرئيس للمرة الأولى منذ شهرين، ميّالاً إلى رفض السوداوية، وإلى اعتبار أن لا أفق منظوراً في مسألة التشكيلة الحكومية. فسأله أكثر من زائر: ماذا ستفعل؟ فأجاب أكثر من مرة، كمن يفكر بصوت عالٍ: سأسعى إلى سلسلة اتصالات بين المعنيين. دار النقاش على دفعات، تبلورت الفكرة تدريجاً، حتى اكتمل الاقتراح: لقاء عون ــــ الحريري في بعبدا، وفي حضرة الرئيس. حين بات التصور ناجزاً، لم يتمكن رئيس الجمهورية من إطلاق تساؤل عفوي، عارف وثاقب: «هل تعتقدون أن الحريري يقبل بالمجيء إلى هناك؟».
يؤكد المطّلعون على تلك المطارحات أن الرئيس كان يدرك حساسية الحريري حيال ما يعدّه صلاحياته الدستورية، وكرئيس حكومة مكلّف. وكان يعرف ـــــ تلقائياً، أو نتيجة تجربة سابقة أو تلميحاً ـــــ أن من لم تصدر مراسيم تكليفه بعد، يتمسك بحرفية حنبلية لأحكام الفقرة الثانية من المادة الـ64 من الدستور: «يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها...». ليست المسألة مجرد تشكيل وشكليات، فهي في العمق مرتبطة بأساس الانقلاب الدستوري الذي أحدثه اتفاق الطائف. وهي في الذاكرة منبثقة من قراءة حريرية خاصة لتجربة الوالد مع أول رئيسين من جمهورية الطائف.
رغم تلك التحفظات، كان المعنيون بولادة الفكرة يدركون أهميتها ويحرصون على إعطائها فرص الحياة. قيل إن المسألة تركت لحزب الله، لينقل الاقتراح إلى الحريري. هكذا، لا يكون الرئيس معنياً بتجاوز صلاحيات من كلّفه، وتكون قيادة الحزب قد أوفت بتعهدها المساعدة على إيجاد المخارج، من ضمن التزامها الكامل، بتضامنها مع حليفها ميشال عون.
حين ولدت فكرة اللقاء في بعبدا، سأل سليمان: «هل يقبل الحريري بالمجيء إلى هنا؟»من بعبدا، انتقل الاقتراح إلى بيت الأسواق التجارية مع الحاج حسين الخليل. قبلت الفكرة، وكان اتفاق على «تخريجها» عبر كلام في أحد الإفطارات. ولما حان موعد التنفيذ، جاءت المفاجأة غير المتوقعة: مبادرة الحريري إلى طرح عقد لقاء مع عون، إما في بعبدا، وإما في ساحة النجمة، غير أن الإضافة لم تكن لتغيّر شيئاً، باستثناء تأكيد شكوك بعبدا، ذلك أنه من ناحية الرابية، حين يكون الخيار بين رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي، يكون الجواب محسوماً. وهو ما تقتضيه عوامل النظرة إلى النظام ومؤسساته وتراتبيّتها، بمعزل عن الأشخاص والأسماء. هكذا، ذهب الرجلان إلى بعبدا. هناك قيل إن الحريري فوجئ ببقاء رئيس الجمهورية طيلة مدة اللقاء. كان يتوقّع نوعاً من رعاية شكلية لبداية الاجتماع، ليتحوّل بعدها ثنائياً، تطبيقاً لمفهومه للمادة الدستورية المذكورة سابقاً. فأضيف إلى الحرج نوع من عدم الارتياح، وانقلبت بعض النيات المسبقة. كانت الحسابات أن يقع عون ـــــ في حالتي الرفض أو القبول ـــــ في مطبّ من ثلاثة: إما أن يتحمّل مسؤولية المزيد من الوقت الضائع الذي تريده الأكثرية، وإما أن يصير في مواجهة مع رئيس الجمهورية، وإما أن يقدم الذريعة الكافية ليخرج من يقول: ها قد استنفدنا كل سبل الوفاق الضائع، فاسمحوا لنا بأن نذهب إلى الخيارات الأخرى، فشلت الخطوة، أو المبادرة ـــــ المناورة.
انتهت إلى ثلاث نقاط: هدنة إعلامية، لم يلبث أن أسقطها بيان قريطم، بلورة التصورات الممكنة للمخارج، واتفاق على آلية للمتابعة.
أما في العمق، فظلت الكرة في ملعب الرئيس المكلف، ليجترح ما يملأ به الوقت، في انتظار ما قالته سفيرة دولة كبرى لأحد النواب قبل أيام: بعد موقف وليد جنبلاط في 2 آب، طلبنا تجميد كل شيء، في انتظار توجيهات لاحقة. وفي انتظارها تكشّف بُعد جديد ـــــ قديم، لما قاله رئيس الجمهورية في الأول من آب، من أن عملية تأليف الحكومة تدعو إلى التفكير «في الثُغر الدستورية التي تعوق قواعد اللعبة الديموقراطية...».
