14\8\2009
تسعى إسرائيل، تاريخياً، إلى استخدام العنف لتحقيق أهدافها السياسية، وإلى تحصين وضعها الأمني حيال أعدائها.
وترى أن العنف وتفعيل الخيارات العسكرية والأمنية، أحد أهم البنود الرئيسية والمتقدمة في عقيدتها الأمنية، التي من خلالها تحقق حصانة أمنها واستقرارها.
تعرّف إسرائيل حزب الله على أنه كيان عسكري وسياسي واجتماعي، متغلغل ومتجذّر في الساحة اللبنانية، ولديه شريحة واسعة جداً من المريدين اللبنانيين تكفل له الاستمرار في أداء أدوار فاعلة ومركزية في لبنان وفي المنطقة.
ويوصّف الحزب إسرائيلياً بأنه من أقوى الأحزاب والتنظيمات العاملة على الساحة اللبنانية وفي المنطقة، إن لم يكن أقواها على الإطلاق. وبحسب إسرائيل فإن قوة حزب الله العسكرية هائلة، نسبياً، ولا تتوافر لدى أي كيان آخر ـــــ غير دولة، بل إن لديه قدرات لا تتوافر لبعض من الدول.
وترى أن هذه القدرات مكرّسة لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي على لبنان، بل وتوسّع ذلك لترى أنها مكرّسة أيضاً لمنع إسرائيل من الاعتداء في ساحات إقليمية، قريبة أو بعيدة، ما يساهم في تقليص هامش مناورة الدولة العبرية ومنعها من استخدام العنف لتحقيق أهدافها السياسية، إن في الساحة اللبنانية نفسها، أو في الساحات الإقليمية الأخرى. وفوق كل ذلك ترى إسرائيل أن الحزب غير قابل لأي تسوية معها، فهو تنظيم عقائدي وذو أبعاد دينية لا تسمح له بالتوصل إلى تسويات مع إسرائيل، وبالتالي يبقى وسيبقى في حال من الصراع مع الدولة العبرية.
بناءً على ذلك، أي بناءً على وجود قدرة لدى حزب الله على الأمن القومي الإسرائيلي، إضافة إلى عدم إمكان الأمل بتسوية معه، يوجب على الدولة العبرية العمل على استئصال تهديده، وقد جرى توصيف مستوى هذا التهديد في دراسات عديدة صدرت في السنوات الثلاث الماضية، في أعقاب حرب تموز ـــــ آب 2006، وسوّق لها عدد من الباحثين الإسرائيليين، فـ«حزب الله يمثّل تهديداً يصل إلى مستوى التهديد الوجودي»، علماً بأن مطلوبية استئصال الحزب، منطقياً، تزداد بالتوازي مع التراكم والتعاظم المطّرد للقدرات العسكرية الموجودة لديه.
في الوقت نفسه، يشير ما يصدر عن إسرائيل، إلى أن أهم العبر التي استخلصتها الدولة العبرية جراء فشل جيشها عام 2006، اكتشافها لمحدودية القدرة العسكرية على فرض الإرادة السياسية بوسائل عسكرية بحتة، أمام عدو كحزب الله، سواء كان ذلك من خلال مواجهة محدودة أو واسعة النطاق، إذ أدركت إسرائيل وجوب أن تتوافر مقوّمات أخرى غير عسكرية، تلاقي الفعل العسكري وتمكنه من تحقيق النتائج الكاملة للأهداف والغايات الإسرائيلية، من الفعل العسكري نفسه، الأمر الذي فرض على إسرائيل أن «تتواضع» كثيراً في ما يتعلق بالمقاربة العسكرية، حيال حزب الله، وهو ما يشهد ويدل عليه واقع الهدوء القائم على جبهات المواجهة المفترضة مع الحزب، رغم أن بالإمكان الإشارة إلى أن الخيارات العسكرية حيال حزب الله تحديداً، قد تكون مطلوبة لذاتها، بعد فشل عام 2006.
يفرض هذا الواقع، المكتشف والمؤكد إسرائيلياً (محدودية القدرة على استئصال أو إضعاف حزب الله)، بحثاً عن رهانات بديلة، بمعنى البحث عن وسائل وطرق أخرى غير عسكرية لاستئصال تهديد حزب الله أو احتوائه، ما دام الخيار العسكري أثبت عدم فاعليته في حرب تموز ـــــ آب 2006، إذ بات من شبه المقطوع به إسرائيلياً، أنه غير قادر على إثبات نفسه دون مقوّمات أخرى لا يبدو أنها متوافرة لإسرائيل.
عمدت إسرائيل، في السنوات الثلاث الماضية، إلى المراهنة على جملة من المتغيرات والتطورات، كان قد شهدها لبنان والمنطقة، وفي أغلبها تطورات ما زالت قائمة، لاستئصال حزب الله أو احتوائه... منها متغيّرات حاولت إسرائيل إيجادها بنفسها، وأخرى تلقتها وراكمت عليها. ويمكن في هذا الإطار رصد جملة من الرهانات الإسرائيلية، نعرض ثلاثة منها:
■ أولاً: القطع بين إيران وحزب الله
تنظر إسرائيل، بداهة، إلى أن قطع علاقة إيران بحزب الله، هو من أهم شروط احتواء حزب الله وشلّ نشاطه وشبه استئصال لتهديده، وترى أن قطع العلاقة بين الجانبين يمثل ضربة قاسية جداً للحزب ولقدراته، وبحسب تعبيرات إسرائيلية «ستقطع عن حزب الله موارده وبعده العقائدي، ما يؤدي بالتالي إلى إضعافه وشلّ قدراته».
وتنظر إسرائيل إلى عملية القطع والانفصال، من خلال سبيل شبيه وحيد، وهو إسقاط النظام الإسلامي في إيران، إذ لا سبيل آخر لتحقيق ذلك إلا من خلال تقويض النظام الإيراني، نتيجة للبعد الديني الجامع بين الجانبين، والقادر بذاته على تجاوز أي تكثيف للعقوبات الاقتصادية والضغوط المختلفة على طهران، سعت وتسعى إسرائيل إلى فرضها على إيران، وتشير معظم الدراسات الإسرائيلية التي بحثت في هذا الرهان، إلى أن عامل الضغط الاقتصادي على إيران يمكنه أن يؤثر تأثيراً محدوداً ومؤقتاً على سياسة الإيرانيين تجاه حزب الله، لكن من شبه المؤكد أنه لن يوقف الدعم الإيراني، و«لن يوقف الموارد الهائلة التي يتلقاها من إيران».
وعدّ هذا الخيار خياراً مستبعد التحقق لدى المنظّرين الإسرائيليين، وكان يرد في دراسات وأبحاث مراكز البحوث الإسرائيلية المعنية بمسائل الأمن القومي، طوال السنوات الثلاث الماضية، كخيار نظري يفتقر إلى أسس عملية لتحققه.. إلا أن الأحداث الأخيرة في أعقاب انتخابات إيران الرئاسية، أحيت هذا الخيار وزوّدته بتأسيسات عملية مكّنت من المراهنة عليه، رغم أنه لم يرق إلى حد اعتباره خياراً معتمداً، فالآمال الإسرائيلية بإمكان إسقاط النظام الإيراني بتوسل عوامل داخلية أصيبت بخيبة كبيرة جداً، بفعل التطورات الإيرانية الأخيرة، ما أدى إلى ارتداد هذا الخيار وهذه المراهنة إلى الخلف، من جديد.
■ ثانياً: القطع بين سوريا وحزب الله
ترى إسرائيل، نظرياً، إمكان المراهنة على قطع علاقة النظام السوري بحزب الله، بل لا ترى أنها مجرد مراهنة نظرية شبيهة بالمراهنة على إسقاط النظام الإيراني، إذ «تفتقد العلاقة القائمة بين دمشق وحزب الله للبعد الديني جراء علمانية النظام السوري»، وتشير الدراسات الإسرائيلية في هذا المجال إلى إمكان تغيير السياسة السورية حيال حزب الله إن جرى التوصل إلى اتفاق تسوية مع الدولة العبرية يتضمّن جملة من المحفزات السياسية والاقتصادية لدمشق، على أن تلتزم الأخيرة بقطع علاقاتها بإيران، وتبعاً لذلك قطع علاقاتها بحزب الله وتنظيمات المقاومة الأخرى في المنطقة، وتضيف هذه الدراسات إمكان تحقق ذلك، نظرياً، من خلال تفعيل وتعزيز العقوبات السياسية والاقتصادية على دمشق، للوصول إلى النتائج نفسها.
ورغم أن إسرائيل قامت بالفعل، في عهد الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة إيهود أولمرت، بجملة من محاولات جسّ النبض غير المباشرة والإيحاء بوجود سلة من المحفزات، مقابل التزامات سورية تفضي إلى قطع العلاقة مع محور الشر (ومن ضمنه حزب الله)، إلا أن رد الفعل السوري كان مخيباً للآمال الإسرائيلية، علماً بأن هذا الرهان ما زال قائماً من منظور إسرائيلي، إذ ترى تل أبيب أنه لم يجر فحصه كلياً وبجدية، وخاصة من خلال قنوات ومحفزات أميركية مباشرة، يجري العمل على تحريكها وفقاً للتوجهات الأميركية الجديدة في المنطقة.
■ ثالثاً: تطورات لبنان الداخلية
راقبت إسرائيل، بعناية بالغة، تطورات الساحة الداخلية اللبنانية وأزماتها المتكررة، ورأت أن أكثر من أزمة مرّت على لبنان في السنوات الثلاث الماضية، تمثّل واقعاً يمكن المراهنة عليه إسرائيلياً لاحتواء حزب الله وإضعافه، بدءاً من المراهنة على نزع سلاح المقاومة في أعقاب انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، المسعى الذي ساير فيه جزء من اللبنانيين المطالب الإسرائيلية وعمل عليها، ويُشهد في هذا المجال استطاعة الحزب احتواء هذه المساعي وإحباط الغايات الإسرائيلية منها. وعادت إسرائيل في وقت لاحق على فشلها في القضاء على قدرات حزب الله العسكرية والقتالية، عام 2006، إلى العمل، بمعيّة الأميركيين ودول عربية معتدلة، على إحداث نوع من التوازن الداخلي بين حزب الله وقوى معارضة له، أملاً بإشغاله داخلياً وشل المبادرة لديه عن الإضرار بإسرائيل، ثم عادت لاحقاً إثر تطورات شهدتها الساحة اللبنانية، انعكاساً لتطورات شهدتها الساحات الإقليمية القريبة والبعيدة، إلى المراهنة على تحقّق الفتنة في لبنان، ورأت إسرائيل أن من شأن الفتنة أن تشغل حزب الله عنها بشكل غير محدود، فالتورط في صراع داخلي ينعكس أخطاراً وتهديدات تدفعه إلى الانكفاء عن إسرائيل ومقارعتها، إلا أن أحداث السابع من أيار 2008، أعادت هذا الخيار إلى الخلف، ولم تعد تسمع أصوات إسرائيلية تراهن عليه.
ما بقي من المراهنات الإسرائيلية انطلاقاً من الساحة الداخلية اللبنانية لإضعاف الحزب، يقتصر على مآلات المحكمة الدولية، الناظرة في مقتل رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، إذ كشف مضمون التصريحات المتسرعة التي أطلقها القادة الإسرائيليون، في أعقاب تقرير مجلة دير شبيغل الألمانية عن ضلوع حزب الله باغتيال الرئيس الحريري، عن أن إسرائيل تراهن فعلياً على اتهام رسمي يصدر عن المحكمة الدولية في هذا الاتجاه، بما قد يهيئ أرضية صالحة للإضرار بالحزب، وإعادة الرهان مجدداً على فتنة داخلية في لبنان تشغل حزب الله عنها.
تسعى إسرائيل، تاريخياً، إلى استخدام العنف لتحقيق أهدافها السياسية، وإلى تحصين وضعها الأمني حيال أعدائها.
وترى أن العنف وتفعيل الخيارات العسكرية والأمنية، أحد أهم البنود الرئيسية والمتقدمة في عقيدتها الأمنية، التي من خلالها تحقق حصانة أمنها واستقرارها.
تعرّف إسرائيل حزب الله على أنه كيان عسكري وسياسي واجتماعي، متغلغل ومتجذّر في الساحة اللبنانية، ولديه شريحة واسعة جداً من المريدين اللبنانيين تكفل له الاستمرار في أداء أدوار فاعلة ومركزية في لبنان وفي المنطقة.
ويوصّف الحزب إسرائيلياً بأنه من أقوى الأحزاب والتنظيمات العاملة على الساحة اللبنانية وفي المنطقة، إن لم يكن أقواها على الإطلاق. وبحسب إسرائيل فإن قوة حزب الله العسكرية هائلة، نسبياً، ولا تتوافر لدى أي كيان آخر ـــــ غير دولة، بل إن لديه قدرات لا تتوافر لبعض من الدول.
وترى أن هذه القدرات مكرّسة لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي على لبنان، بل وتوسّع ذلك لترى أنها مكرّسة أيضاً لمنع إسرائيل من الاعتداء في ساحات إقليمية، قريبة أو بعيدة، ما يساهم في تقليص هامش مناورة الدولة العبرية ومنعها من استخدام العنف لتحقيق أهدافها السياسية، إن في الساحة اللبنانية نفسها، أو في الساحات الإقليمية الأخرى. وفوق كل ذلك ترى إسرائيل أن الحزب غير قابل لأي تسوية معها، فهو تنظيم عقائدي وذو أبعاد دينية لا تسمح له بالتوصل إلى تسويات مع إسرائيل، وبالتالي يبقى وسيبقى في حال من الصراع مع الدولة العبرية.
بناءً على ذلك، أي بناءً على وجود قدرة لدى حزب الله على الأمن القومي الإسرائيلي، إضافة إلى عدم إمكان الأمل بتسوية معه، يوجب على الدولة العبرية العمل على استئصال تهديده، وقد جرى توصيف مستوى هذا التهديد في دراسات عديدة صدرت في السنوات الثلاث الماضية، في أعقاب حرب تموز ـــــ آب 2006، وسوّق لها عدد من الباحثين الإسرائيليين، فـ«حزب الله يمثّل تهديداً يصل إلى مستوى التهديد الوجودي»، علماً بأن مطلوبية استئصال الحزب، منطقياً، تزداد بالتوازي مع التراكم والتعاظم المطّرد للقدرات العسكرية الموجودة لديه.
في الوقت نفسه، يشير ما يصدر عن إسرائيل، إلى أن أهم العبر التي استخلصتها الدولة العبرية جراء فشل جيشها عام 2006، اكتشافها لمحدودية القدرة العسكرية على فرض الإرادة السياسية بوسائل عسكرية بحتة، أمام عدو كحزب الله، سواء كان ذلك من خلال مواجهة محدودة أو واسعة النطاق، إذ أدركت إسرائيل وجوب أن تتوافر مقوّمات أخرى غير عسكرية، تلاقي الفعل العسكري وتمكنه من تحقيق النتائج الكاملة للأهداف والغايات الإسرائيلية، من الفعل العسكري نفسه، الأمر الذي فرض على إسرائيل أن «تتواضع» كثيراً في ما يتعلق بالمقاربة العسكرية، حيال حزب الله، وهو ما يشهد ويدل عليه واقع الهدوء القائم على جبهات المواجهة المفترضة مع الحزب، رغم أن بالإمكان الإشارة إلى أن الخيارات العسكرية حيال حزب الله تحديداً، قد تكون مطلوبة لذاتها، بعد فشل عام 2006.
يفرض هذا الواقع، المكتشف والمؤكد إسرائيلياً (محدودية القدرة على استئصال أو إضعاف حزب الله)، بحثاً عن رهانات بديلة، بمعنى البحث عن وسائل وطرق أخرى غير عسكرية لاستئصال تهديد حزب الله أو احتوائه، ما دام الخيار العسكري أثبت عدم فاعليته في حرب تموز ـــــ آب 2006، إذ بات من شبه المقطوع به إسرائيلياً، أنه غير قادر على إثبات نفسه دون مقوّمات أخرى لا يبدو أنها متوافرة لإسرائيل.
عمدت إسرائيل، في السنوات الثلاث الماضية، إلى المراهنة على جملة من المتغيرات والتطورات، كان قد شهدها لبنان والمنطقة، وفي أغلبها تطورات ما زالت قائمة، لاستئصال حزب الله أو احتوائه... منها متغيّرات حاولت إسرائيل إيجادها بنفسها، وأخرى تلقتها وراكمت عليها. ويمكن في هذا الإطار رصد جملة من الرهانات الإسرائيلية، نعرض ثلاثة منها:
■ أولاً: القطع بين إيران وحزب الله
تنظر إسرائيل، بداهة، إلى أن قطع علاقة إيران بحزب الله، هو من أهم شروط احتواء حزب الله وشلّ نشاطه وشبه استئصال لتهديده، وترى أن قطع العلاقة بين الجانبين يمثل ضربة قاسية جداً للحزب ولقدراته، وبحسب تعبيرات إسرائيلية «ستقطع عن حزب الله موارده وبعده العقائدي، ما يؤدي بالتالي إلى إضعافه وشلّ قدراته».
وتنظر إسرائيل إلى عملية القطع والانفصال، من خلال سبيل شبيه وحيد، وهو إسقاط النظام الإسلامي في إيران، إذ لا سبيل آخر لتحقيق ذلك إلا من خلال تقويض النظام الإيراني، نتيجة للبعد الديني الجامع بين الجانبين، والقادر بذاته على تجاوز أي تكثيف للعقوبات الاقتصادية والضغوط المختلفة على طهران، سعت وتسعى إسرائيل إلى فرضها على إيران، وتشير معظم الدراسات الإسرائيلية التي بحثت في هذا الرهان، إلى أن عامل الضغط الاقتصادي على إيران يمكنه أن يؤثر تأثيراً محدوداً ومؤقتاً على سياسة الإيرانيين تجاه حزب الله، لكن من شبه المؤكد أنه لن يوقف الدعم الإيراني، و«لن يوقف الموارد الهائلة التي يتلقاها من إيران».
وعدّ هذا الخيار خياراً مستبعد التحقق لدى المنظّرين الإسرائيليين، وكان يرد في دراسات وأبحاث مراكز البحوث الإسرائيلية المعنية بمسائل الأمن القومي، طوال السنوات الثلاث الماضية، كخيار نظري يفتقر إلى أسس عملية لتحققه.. إلا أن الأحداث الأخيرة في أعقاب انتخابات إيران الرئاسية، أحيت هذا الخيار وزوّدته بتأسيسات عملية مكّنت من المراهنة عليه، رغم أنه لم يرق إلى حد اعتباره خياراً معتمداً، فالآمال الإسرائيلية بإمكان إسقاط النظام الإيراني بتوسل عوامل داخلية أصيبت بخيبة كبيرة جداً، بفعل التطورات الإيرانية الأخيرة، ما أدى إلى ارتداد هذا الخيار وهذه المراهنة إلى الخلف، من جديد.
■ ثانياً: القطع بين سوريا وحزب الله
ترى إسرائيل، نظرياً، إمكان المراهنة على قطع علاقة النظام السوري بحزب الله، بل لا ترى أنها مجرد مراهنة نظرية شبيهة بالمراهنة على إسقاط النظام الإيراني، إذ «تفتقد العلاقة القائمة بين دمشق وحزب الله للبعد الديني جراء علمانية النظام السوري»، وتشير الدراسات الإسرائيلية في هذا المجال إلى إمكان تغيير السياسة السورية حيال حزب الله إن جرى التوصل إلى اتفاق تسوية مع الدولة العبرية يتضمّن جملة من المحفزات السياسية والاقتصادية لدمشق، على أن تلتزم الأخيرة بقطع علاقاتها بإيران، وتبعاً لذلك قطع علاقاتها بحزب الله وتنظيمات المقاومة الأخرى في المنطقة، وتضيف هذه الدراسات إمكان تحقق ذلك، نظرياً، من خلال تفعيل وتعزيز العقوبات السياسية والاقتصادية على دمشق، للوصول إلى النتائج نفسها.
ورغم أن إسرائيل قامت بالفعل، في عهد الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة إيهود أولمرت، بجملة من محاولات جسّ النبض غير المباشرة والإيحاء بوجود سلة من المحفزات، مقابل التزامات سورية تفضي إلى قطع العلاقة مع محور الشر (ومن ضمنه حزب الله)، إلا أن رد الفعل السوري كان مخيباً للآمال الإسرائيلية، علماً بأن هذا الرهان ما زال قائماً من منظور إسرائيلي، إذ ترى تل أبيب أنه لم يجر فحصه كلياً وبجدية، وخاصة من خلال قنوات ومحفزات أميركية مباشرة، يجري العمل على تحريكها وفقاً للتوجهات الأميركية الجديدة في المنطقة.
■ ثالثاً: تطورات لبنان الداخلية
راقبت إسرائيل، بعناية بالغة، تطورات الساحة الداخلية اللبنانية وأزماتها المتكررة، ورأت أن أكثر من أزمة مرّت على لبنان في السنوات الثلاث الماضية، تمثّل واقعاً يمكن المراهنة عليه إسرائيلياً لاحتواء حزب الله وإضعافه، بدءاً من المراهنة على نزع سلاح المقاومة في أعقاب انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، المسعى الذي ساير فيه جزء من اللبنانيين المطالب الإسرائيلية وعمل عليها، ويُشهد في هذا المجال استطاعة الحزب احتواء هذه المساعي وإحباط الغايات الإسرائيلية منها. وعادت إسرائيل في وقت لاحق على فشلها في القضاء على قدرات حزب الله العسكرية والقتالية، عام 2006، إلى العمل، بمعيّة الأميركيين ودول عربية معتدلة، على إحداث نوع من التوازن الداخلي بين حزب الله وقوى معارضة له، أملاً بإشغاله داخلياً وشل المبادرة لديه عن الإضرار بإسرائيل، ثم عادت لاحقاً إثر تطورات شهدتها الساحة اللبنانية، انعكاساً لتطورات شهدتها الساحات الإقليمية القريبة والبعيدة، إلى المراهنة على تحقّق الفتنة في لبنان، ورأت إسرائيل أن من شأن الفتنة أن تشغل حزب الله عنها بشكل غير محدود، فالتورط في صراع داخلي ينعكس أخطاراً وتهديدات تدفعه إلى الانكفاء عن إسرائيل ومقارعتها، إلا أن أحداث السابع من أيار 2008، أعادت هذا الخيار إلى الخلف، ولم تعد تسمع أصوات إسرائيلية تراهن عليه.
ما بقي من المراهنات الإسرائيلية انطلاقاً من الساحة الداخلية اللبنانية لإضعاف الحزب، يقتصر على مآلات المحكمة الدولية، الناظرة في مقتل رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، إذ كشف مضمون التصريحات المتسرعة التي أطلقها القادة الإسرائيليون، في أعقاب تقرير مجلة دير شبيغل الألمانية عن ضلوع حزب الله باغتيال الرئيس الحريري، عن أن إسرائيل تراهن فعلياً على اتهام رسمي يصدر عن المحكمة الدولية في هذا الاتجاه، بما قد يهيئ أرضية صالحة للإضرار بالحزب، وإعادة الرهان مجدداً على فتنة داخلية في لبنان تشغل حزب الله عنها.