قبل ساعات قليلة، استغرب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الكلام الذي يثار حول حرب وشيكة على لبنان، مشيراً الى ان ما يقال في هذا الموضوع ليس سوى عاصفة اعلامية. والغريب فعلاً، ان نتنياهو نفسه كان اطلق اكثر من تحذير ووجه اكثر من رسالة بلهجة لا تخلو من التهديد من ان لبنان، كل لبنان سيتحمل وزر اي اعتداء قد يقوم به "حزب الله" على اسرائيل في اي موقع على الكرة الارضية. فما الذي حصل ليغيّر نتنياهو موقفه؟
مصادر متابعة لاجواء التوتر بين لبنان واسرائيل اشارت الى ان ما حصل لا يعدو كونه ضمن "الحرب الباردة" التي سادت في الآونة الاخيرة بين السلطات الاسرائيلية و"حزب الله" وانها اتت من قبل الطرفين حيث ذكّرت بما اسرّه الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله الى وفد اغترابي من ان اسرائيل تحضّر لشن حرب على لبنان اواخر الصيف الحالي او في الربيع المقبل، وبما قاله اكثر من مسؤول سياسي اسرائيلي لجهة ان الحرب على لبنان باتت وشيكة وان التوتر بلغ مداه.
الا ان اللافت، تابعت المصادر، ان المسؤولين العسكريين وهم المعنيون مباشرة بالحورب، قللوا من اهمية هذه التصريحات والتهديدات والتحذيرات، فقائد القوات الدولية في الجنوب الجنرال كلاوديو غراتزيانو لم يتح المجال امام اي فرضية لاندلاع حرب جديدة، في حين ان رئيس اركان الجيش الاسرائيلي الجنرال غابي اشكينازي تحدث في السياق نفسه مستبعداً حصول حرب في المدى المنظور، لان لا مقومات تشير الى ذلك.
واعتبرت المصادر ان السبب الرئيسي وراء هذه "الحرب الباردة" كان التخوف من عملية لـ"حزب الله" اعتبرت الاستخبارات الاسرائيلية انها اصبحت وشيكة وستطال اسرائيليين في الخارج، وكانت هذه التهديدات بمثابة تحذير من ان اسرائيل ستلتزم بالرد القاسي والعنيف على اي اعتداء قد يطال رعاياها في الخارج، ولكنها على الرغم من ذلك، اصدرت تحذيرات بوجوب عدم التوجه الى مصر والاردن والمغرب والصومال وكولومبيا وغيرها من الدول.... وموقف نتنياهو الاخير تزامن مع معلومات تفيد بأن مستشاره للملف الفلسطيني سيتوجه الى واشنطن للقاء المبعوث الاميركي جورج ميتشيل وتسليمه جواب اسرائيل على طلب الولايات المتحدة وقف النشاطات الاستيطانية، واذا صحت التوقعات، فسيكون هذا الجواب مريحاً للطرفين بحيث تحدد اسرائيل فترة زمنية معينة قد تكون حوالى ستة اشهر في مقابل تعهدات بالضغط على الدول العربية لتطبيع العلاقات معها ووضع الاميركيين علمية السلام على السكة الصحيحة لان تحقيق السلام لا بد وان يكون وفق الشروط الاسرائيلية.
اما الوجه الآخر من الموقف الاسرائيلي المستجد، فيعود الى ان سوريا باتت خارج اطار الشبهات الدولية وتتمتع بـ"سمعة طيبة" لدى الاميركيين والاوروبيين فلم يعد الحديث وارداً عن دعمها للارهاب وتهريبها للاسلحة ووجوب مراقبة الحدود اللبنانية- السورية بشدة او وضع مراقبين دوليين على هذه الحدود لضمان الامساك بها كما يجب، واصبحت سوريا عنصراً مساعداً على الاستقرار في المنطقة عموماً وفي لبنان خصوصاً، وحاجة للسلام في الشرق الاوسط، كما انها قامت بما عليها ان على الصعيد اللبناني او على الصعيد الفلسطيني ( مع حركة "حماس" من خلال رئيس المكتب السياسي خالد مشعل الذي باتت تصريحاته تتسم بالليونة والدبلوماسية)، اضافة الى تسهيل حياة الاميركيين والغربيين في العراق.
وبالتالي، فإن اتهام اسرائيل لسوريا اصبح "مجوفاً" واشبه باسطوانة لا بد من الاستماع اليها بين الحين والآخر حفاظاً على الروتين ليس الا.