رسالة الإمام السيد موسى الصدر الى اللبنانيين بمناسبة ذكرى عاشوراء وعيد الميلاد 31/12/1976
أيها اللبنانيون.. يأتي يوم عاشوراء، ذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي (ع)، فيكمل بمعانيه السامية معاني الأعياد الكريمة التي اقترنت هذه السنة، لتضع أمام المواطن اللبناني الذي يعيش في بلد الله والإنسان بعد محنة دامية كانت أبعد ما تكون عن الله والإنسان، لتضع صورة واضحة للإنسان الذي أراده الله في لبنان وفي العالم..
في هذه السنة، وفي كل سنة، تقترن بداية السيدة الهجرية (هجرة محمد) مع ذكرى الهجرة الحسينية.. إقتران البداية بالاستمرار، وانسجام الجذور بالأغصان والأسس بالبناء.. وبنفس القوة والإبداع، وعلى قدر الابتكارات المدهشة، علينا أن نعالج حالة الحرب، وأن نخرج منها بملء إرادتنا وبكامل حريتنا.. إنّ قوات الأمن العربية المعززة لا تتمكن من أن تدخل في هذه الساحات الكبرى في حربنا، ولا يعالجها إلا عزمنا النابع من إلهام الفادي وفداء الحسين، ولا يعالجها إلا إرادتنا الصلبة لبناء مستقبلنا ومستقبل أولادنا.. علينا أن نعيد النظر في المعلومات التي أعطيت لنا قبيل الحرب وخلالها، وبالتالي نعيد تقييمنا في العلاقات العامة والخاصة وفي اختيار الحليف والخصم وفي انتخاب القادة والرفاق.. علينا أن نتجدد كالسنة الجديدة (هجرية وميلادية) وقد تجددتا معاً، فنتجدد بعقولنا ونفوسنا ومعلوماتنا وأحاديثنا المجلسية والصحفية والعامة.. إذا أردنا أن نقرر مصيرنا بأنفسنا ونملك الزمام مجدداً علينا أن نتجه بكل أبعاد وجودنا الى البناء، الى الأمام، الى الخلود، وإلا يعتبرنا العالم ولداً عاقاً فيقاطعنا ويتغاضى عما يحل بنا من كوارث ويضع محجراً على حدوده أمام دخولنا.. أيها الاخوة المواطنون: إنّ مبادرتنا العامة الشاملة في إنهاء الحرب وأجوائها تُخرجنا من الحاجة الى القيّمين ولو كانوا اخوة لنا، وتوفّر علينا المشاق والأخطار، وتجعلهم يتفرغون لمسؤولياتهم الوطنية والقومية التي تنتظرهم. وإنّ إسراعنا ببناء مؤسساتنا الوطنية واجب وطني وقومي في آن معاً، ومن دون مشاركتنا في طرد الحرب وآثارها نعرّض وطننا وأمتنا لأخطار كبرى أتـهيّب من ذكرها، فكيف إذا حاولنا تمديد أجواء الحرب بشكل أو آخر؟.. أعود أمام ثقل المسؤولية وصعوبة تحملها، والحرب قد تعمّقت، أعود وأذكّركم بالميلاد المجيد للفادي ومعانيه وأبعادها، ونحن نحتفل به ونكرّمه، وأضع أمام أعينكم استشهاد الحسين وأعماقه، ونحن نعيش احتفالاته ومعانيه.. هلمّوا يا أيها الاخوة لنعمل آحادً وجماعات نبادر الى تصفية ذيول الحرب عبر خلق المصالحات وخرق الأجواء الصعبة: في إيجاد الحوار، في البحث المحبّ، في تقرير المصير والتفكير به.. ويا أيها العالم الذي انزعجت من انتشار وجودنا وعمق تأثير أبنائنا، ومن تبنّينا لقضية فلسطين ولنضال شعبها العادل، ومن إلقائنا لكلمة فلسطين في الأمم المتحدة، ومن حمايتنا لثورتها وثوارها ومكاتبهم ومخيماتهم... إننا رغم معاناتنا التي تجاوزت كل حد باقون في ذات الموقع، وسوف نتعاون معهم في إعادة التقييم لمرحلة ثورتهم المقبلة وفي وضع استراتيجية جديدة لها وفي حماية قضيتهم العادلة الى يوم العودة.. إنّ القدس التي هي عاصمة بلدهم هي قِبلتنا وملتقى قيَمنا وتجسيد وحدتنا ومعراج رسالتنا.. إنها قدسنا وقضيتنا، وجهادهم في سبيل تحريرها جهادنا ومسؤوليتنا.. إنّ وطننا أقوى شكيمة وأوسع أفقاً من أن يتأثر بالجروح المفتعلة، وإنّ الصعوبات التي تعترضنا أقل من أن تسلب رسالتنا الحضارية ومسؤوليتنا التاريخية.. ويا أيها الذي أردت القضاء على تعايشنا المثالي لكي لا نشكّل بوجودنا سنداً حياً قريباً لإدانتك.. يا إسرائيل: اعلمي أنّنا قبِلنا أمانة الله وأمانة الإنسان التي هي وحدتنا الوطنية الشاملة للمسيحيين والمسلمين، قبِلناها وحدنا بين بلاد الله كلها، وكنا نعرف صعوباتها ومسؤولياتها، وبذلك أصبحنا موضع آمال العالم، ومثالاً متجسداً لمستقبله، وواحة نموذجية لحضارته المستقبلية، كما كسبنا بذلك رضا ربّنا، ودافعنا عن دينه أمام الاتهامات الموجهة الى رسالاته، وسوف نبقى متمسكين بتعايشنا، أمناء على الأمانة الغالية، ندافع عنها بكل ما نملك من قوة فكرية وعاطفية ودفاعية، ولا نسمح للفكر الصهيوني أو النازي أو الفاشي أو العنصري أن ينمو في وطننا، كما لا نسمح للفكر العنصري الجديد المتلبس بغطاء بعض الأحزاب أن ينتشر بين أبنائنا.. ويا دعاة الإلحاد ومتّهِمي الإيمان، ويا أيها الطامعون في أرض وطني، الرافعون لشعارات سياسية وعقائدية.. فتشوا عن قاعدة أخرى لكم.. فلبنان أرض الله والإنسان، ولا مكان فيه لمنكري الله ولمتنكريه ولا لمحتقري الإنسان ومصنِّفيه.. ويا أيها التاريخ: لقد حمينا في مواقع متعددة ومتناقضة أحياناً، بدمائنا وبسخاء، حمينا وطننا ووحدته وسيادته، وطردنا الفكرة التي كانت تعتبرنا تجّار الوطن أو المجتمع "المرتكلنتي"، ولذلك فإنّ سجلّنا لديك قد اكتمل، وإننا كتبنا على صفحاتك الخلود بدماء شهدائنا الأبرار، وإنّ المسلكية القذرة التي استعملها البعض ودفع إليها البعض لا يمكن أن تشوّه انتفاضتنا النابعة من القناعات السامية، وسنحاول بكل دقة وثبات إعادة بناء النفسية لدى أبنائنا في ضوء الإيمان بالله والالتزام الكامل بالقيم.. أيها المواطنون: إنّ هذه المخاطبة للعالم وللتاريخ في هذه الساعات المصيرية تصدر عن قلبي ولساني، وإنني أحسّ بأنهما يعبّران عما في ضمائركم وسرائركم، فقد لاحظت ولاحظ العالم ما ورد على لسان رئيس البلاد في جلسة قسمه واستلامه، ورد ذلك على لسانه ورعود المدافع كانت تصمّ الآذان، ثم تجددت هذه المرتكزات في الدعاء المخلص الذي ابتهل به سماحة مفتي الجمهورية بمناسبة رأس السنة الهجرية، وفصّلها بلغةٍ واضحة ومنطق سليم صاحب الغبطة البطريرك خريش في كلمته الميلادية الرائعة.. ولذلك، فإنني لا أعتبر نفسي في مضامين هذه المناشدة شاعراً أو حالماً أو واعظاً، إنها بصمات عقولكم وقلوبكم وأيديكم على جبين هذه الجبال والشواطئ، وإنها خطوط سلوكك
أيها اللبنانيون.. يأتي يوم عاشوراء، ذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي (ع)، فيكمل بمعانيه السامية معاني الأعياد الكريمة التي اقترنت هذه السنة، لتضع أمام المواطن اللبناني الذي يعيش في بلد الله والإنسان بعد محنة دامية كانت أبعد ما تكون عن الله والإنسان، لتضع صورة واضحة للإنسان الذي أراده الله في لبنان وفي العالم..
في هذه السنة، وفي كل سنة، تقترن بداية السيدة الهجرية (هجرة محمد) مع ذكرى الهجرة الحسينية.. إقتران البداية بالاستمرار، وانسجام الجذور بالأغصان والأسس بالبناء.. وبنفس القوة والإبداع، وعلى قدر الابتكارات المدهشة، علينا أن نعالج حالة الحرب، وأن نخرج منها بملء إرادتنا وبكامل حريتنا.. إنّ قوات الأمن العربية المعززة لا تتمكن من أن تدخل في هذه الساحات الكبرى في حربنا، ولا يعالجها إلا عزمنا النابع من إلهام الفادي وفداء الحسين، ولا يعالجها إلا إرادتنا الصلبة لبناء مستقبلنا ومستقبل أولادنا.. علينا أن نعيد النظر في المعلومات التي أعطيت لنا قبيل الحرب وخلالها، وبالتالي نعيد تقييمنا في العلاقات العامة والخاصة وفي اختيار الحليف والخصم وفي انتخاب القادة والرفاق.. علينا أن نتجدد كالسنة الجديدة (هجرية وميلادية) وقد تجددتا معاً، فنتجدد بعقولنا ونفوسنا ومعلوماتنا وأحاديثنا المجلسية والصحفية والعامة.. إذا أردنا أن نقرر مصيرنا بأنفسنا ونملك الزمام مجدداً علينا أن نتجه بكل أبعاد وجودنا الى البناء، الى الأمام، الى الخلود، وإلا يعتبرنا العالم ولداً عاقاً فيقاطعنا ويتغاضى عما يحل بنا من كوارث ويضع محجراً على حدوده أمام دخولنا.. أيها الاخوة المواطنون: إنّ مبادرتنا العامة الشاملة في إنهاء الحرب وأجوائها تُخرجنا من الحاجة الى القيّمين ولو كانوا اخوة لنا، وتوفّر علينا المشاق والأخطار، وتجعلهم يتفرغون لمسؤولياتهم الوطنية والقومية التي تنتظرهم. وإنّ إسراعنا ببناء مؤسساتنا الوطنية واجب وطني وقومي في آن معاً، ومن دون مشاركتنا في طرد الحرب وآثارها نعرّض وطننا وأمتنا لأخطار كبرى أتـهيّب من ذكرها، فكيف إذا حاولنا تمديد أجواء الحرب بشكل أو آخر؟.. أعود أمام ثقل المسؤولية وصعوبة تحملها، والحرب قد تعمّقت، أعود وأذكّركم بالميلاد المجيد للفادي ومعانيه وأبعادها، ونحن نحتفل به ونكرّمه، وأضع أمام أعينكم استشهاد الحسين وأعماقه، ونحن نعيش احتفالاته ومعانيه.. هلمّوا يا أيها الاخوة لنعمل آحادً وجماعات نبادر الى تصفية ذيول الحرب عبر خلق المصالحات وخرق الأجواء الصعبة: في إيجاد الحوار، في البحث المحبّ، في تقرير المصير والتفكير به.. ويا أيها العالم الذي انزعجت من انتشار وجودنا وعمق تأثير أبنائنا، ومن تبنّينا لقضية فلسطين ولنضال شعبها العادل، ومن إلقائنا لكلمة فلسطين في الأمم المتحدة، ومن حمايتنا لثورتها وثوارها ومكاتبهم ومخيماتهم... إننا رغم معاناتنا التي تجاوزت كل حد باقون في ذات الموقع، وسوف نتعاون معهم في إعادة التقييم لمرحلة ثورتهم المقبلة وفي وضع استراتيجية جديدة لها وفي حماية قضيتهم العادلة الى يوم العودة.. إنّ القدس التي هي عاصمة بلدهم هي قِبلتنا وملتقى قيَمنا وتجسيد وحدتنا ومعراج رسالتنا.. إنها قدسنا وقضيتنا، وجهادهم في سبيل تحريرها جهادنا ومسؤوليتنا.. إنّ وطننا أقوى شكيمة وأوسع أفقاً من أن يتأثر بالجروح المفتعلة، وإنّ الصعوبات التي تعترضنا أقل من أن تسلب رسالتنا الحضارية ومسؤوليتنا التاريخية.. ويا أيها الذي أردت القضاء على تعايشنا المثالي لكي لا نشكّل بوجودنا سنداً حياً قريباً لإدانتك.. يا إسرائيل: اعلمي أنّنا قبِلنا أمانة الله وأمانة الإنسان التي هي وحدتنا الوطنية الشاملة للمسيحيين والمسلمين، قبِلناها وحدنا بين بلاد الله كلها، وكنا نعرف صعوباتها ومسؤولياتها، وبذلك أصبحنا موضع آمال العالم، ومثالاً متجسداً لمستقبله، وواحة نموذجية لحضارته المستقبلية، كما كسبنا بذلك رضا ربّنا، ودافعنا عن دينه أمام الاتهامات الموجهة الى رسالاته، وسوف نبقى متمسكين بتعايشنا، أمناء على الأمانة الغالية، ندافع عنها بكل ما نملك من قوة فكرية وعاطفية ودفاعية، ولا نسمح للفكر الصهيوني أو النازي أو الفاشي أو العنصري أن ينمو في وطننا، كما لا نسمح للفكر العنصري الجديد المتلبس بغطاء بعض الأحزاب أن ينتشر بين أبنائنا.. ويا دعاة الإلحاد ومتّهِمي الإيمان، ويا أيها الطامعون في أرض وطني، الرافعون لشعارات سياسية وعقائدية.. فتشوا عن قاعدة أخرى لكم.. فلبنان أرض الله والإنسان، ولا مكان فيه لمنكري الله ولمتنكريه ولا لمحتقري الإنسان ومصنِّفيه.. ويا أيها التاريخ: لقد حمينا في مواقع متعددة ومتناقضة أحياناً، بدمائنا وبسخاء، حمينا وطننا ووحدته وسيادته، وطردنا الفكرة التي كانت تعتبرنا تجّار الوطن أو المجتمع "المرتكلنتي"، ولذلك فإنّ سجلّنا لديك قد اكتمل، وإننا كتبنا على صفحاتك الخلود بدماء شهدائنا الأبرار، وإنّ المسلكية القذرة التي استعملها البعض ودفع إليها البعض لا يمكن أن تشوّه انتفاضتنا النابعة من القناعات السامية، وسنحاول بكل دقة وثبات إعادة بناء النفسية لدى أبنائنا في ضوء الإيمان بالله والالتزام الكامل بالقيم.. أيها المواطنون: إنّ هذه المخاطبة للعالم وللتاريخ في هذه الساعات المصيرية تصدر عن قلبي ولساني، وإنني أحسّ بأنهما يعبّران عما في ضمائركم وسرائركم، فقد لاحظت ولاحظ العالم ما ورد على لسان رئيس البلاد في جلسة قسمه واستلامه، ورد ذلك على لسانه ورعود المدافع كانت تصمّ الآذان، ثم تجددت هذه المرتكزات في الدعاء المخلص الذي ابتهل به سماحة مفتي الجمهورية بمناسبة رأس السنة الهجرية، وفصّلها بلغةٍ واضحة ومنطق سليم صاحب الغبطة البطريرك خريش في كلمته الميلادية الرائعة.. ولذلك، فإنني لا أعتبر نفسي في مضامين هذه المناشدة شاعراً أو حالماً أو واعظاً، إنها بصمات عقولكم وقلوبكم وأيديكم على جبين هذه الجبال والشواطئ، وإنها خطوط سلوكك