كانت الأمم والشعوب تنظر إلى المرأة كحيوان أو جزء من الثروة التي يملكها الرجل .
فالعرب في الجاهلية كانوا ينظرون للمرأة كرمز للعار وكان بعضهم يدفنون بناتهم أحياءً .
وعندما أشرق نور الإسلام منح المرأة حقّها و حدّد حقوقها كأمّ و زوجة وفتاة ، وكلنا سمع الحديثَ الشريف " الجنّة تحت أقدام الأمّهات " " رضا الله من رضا الوالدين " و المرأة أحد الوالدين .
لقد حدّد الإسلام إنسانية المرأة ، وشرّع نظاماً يحمي كرامة المرأة ويحافظ على عفّتها . فالحجاب ليس سجناً للمرأة بل وسام و فخار .
إننا نشاهد اللآلئ محفوظة بين الأصداف ، والفاكهة داخل قشور ؛ والفتاة المسلمة شرع الله سبحانه لها ما يحميها و يصونها وهو الحجاب الذي لا يحافظ عليها فحسب بل يزيدها وقاراً وجمالاً .
أما الغرب فينظر إلى المرأة كمادّة للإعلان والتجارة والربح المادّي على حساب الأخلاق وكرامة المرأة كإنسان .
وقد أدّت هذه النظرة إلى سقوط المرأة و تجرّدها عن عاطفتها ومشاعرها الإنسانية النبيلة .
وها نحن نرى اليوم تفكّك الأسرة في المجتمعات الغربية .
فالمرأة في دنيا الغرب تحوّلت إلى مجرّد دمية لا قيمة لها سواءً في السينما و الإعلانات التجارية أو سباق ملكات الجمال .
تعالوا يا أعزّاني لنتعرَّف على مثال المرأة في الإسلام مجسّداً في حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) .
فاطمة الزهراء بنت محمّد ( صلى الله عليه وآله ) .
فاطمة الزهراء زوجة علي ( عليه السلام ) .
فاطمة الزهراء أم الحسن والحسين وزينب ( عليهم السلام ) .
الميلاد :
وُلدت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بعد بعثة والدها العظيم ( صلى الله عليه وآله ) بخمسة أعوام ، وبعد حادثة الإسراء والمعراج بثلاث سنين ، وقد بشّر جبريل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بولادتها وكان تاريخ ولادتها يوم الجمعة العشرين من شهر جمادى الآخرة في مدينة مكّة .
في بيت الوحي :
نشأت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في أحضان الوحي والنبوة ، في بيت مفعم بكلمات الله وآيات القرآن المجيد .
سألتْ عائشةُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم عن سبب حبّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة هذا الحبَّ العظيم .
فلقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ينهض إذا دخلت عليه فاطمة وكان يقبِّل رأسها ويدها .
فأجاب سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) : " يا عائشة لو علمتِ ما أعلم لأحببتيها كما أحبّ . فاطمةُ بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني ، ومن سرّها فقد سرّني " .
وقد سمع المسلمون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " يقول إنّما سُمِّيتْ فاطمةُ فاطمةَ لأن الله عزّ وجل فَطَمَ من أحبّها من النار " .
كانت فاطمة الزهراء تشبه سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) في خَلْقه وأخلاقه .
تقول أم سلمة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فاطمة أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وكانت عائشة تقول : إنّها أشبه الناس برسول الله بحديثها ومنطقها .وكانت فاطمة لا تحب أحداً قدر حبّها لأبيها .
كانت ترعى أباها وعمرها ست سنين ، عندما توفيت أمها خديجة الكبرى ، فكانت تسعى لملء الفراغ الذي نشأ عن رحيل والدتها .
وفي تلك السنّ الصغيرة شاركت أباها محنته وهو يواجه أذى المشركين في مكّة .
كانت تضمّد جراحه ، وتغسل عن ما يُلقيه سفهاء قريش .
وكانت تحدّثه بما يُسلّي خاطره ويدخل الفرحة في قلبه ؛ ولهذا سمّاها سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله ) أمَّ أبيها ، لفرط حنانها وعطفها على أبيها ( صلى الله عليه وآله ) .
زواج فاطمة ( عليها السلام ) :
بلغت فاطمةُ سنَّ الرشد ، وآن لها أن تنتقل إلى بيت الزوجية ، فخطبها كثير من الصحابة في طليعتهم أبو بكر وعمر ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يردّ الخاطبين قائلاً : إنني أنتظر في أمرها الوحي .
وجاء جبريل يخبره بأن الله فد زوّجها من علي .
وهكذا تقدم علي ، والحياء يغمر وجهه ، إلى خطبة فاطمة ( عليها السلام ) .
فدخل رسول لله ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة ليرى رأيها وقال لها :
" يا فاطمة إن علي بن أبي طالب من قد عرفْتِ قرابته وفضْله وإسلامه ، وإني قد سألتُ ربّي أن يزوِّجكِ خيْرَ خلْقه وأحبَّهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين " ؟
سكتت فاطمة وأطرقت برأسها إلى الأرض حياء ، فهتف رسول الله : " الله أكبر ! سكوتها رضاها " .
مراسم العقد و الزواج :
جاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخذ بيد علي ( عليه السلام ) وقال :
" قم بسم الله وقل على بركة الله ، ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله ، توكلّت على الله " ، ثمّ قاد علياً ( عليه السلام ) وأجلسه عند فاطمة ( عليها السلام ) وقال : " اللهم إنّهما أحبّ خلقك إليّ فأحبّهما وبارِكْ في ذُرّيتهما واجعل عليها منك حافظاً وإنّي أعيذهما وذرِّيتهما من الشيطان الرجيم " .
ثم فبّلهما مُهنّئاً وقال : " يا علي نِعم الزوجة زوجتك " ، وقال لفاطمة : " يا فاطمة نِعم البعل بعلكِ " .
ووسط زغاريد النسوة من المهاجرين والأنصار وبني هاشم وُلدت أطهر وأمثل أسرة في التاريخ ، لتكون نواة لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
وقد تمّت مراسم العقد والزواج ببساطة تعكس سماحة الإسلام ، فقد كان علي لا يملك من دنياه شيئاً غير سيفه ودرعه ، فأراد أن يبيع سيفه ، فمنعه رسول الله لأن الإسلام في حاجة إلى سيف علي ، ولكنه وافق على بيع الدرع ، فباعه علي ( عليه السلام ) ودفع ثمنه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
أمر رسول الله أن يشتروا بثمنه طيباً وأثاثاً بسيطاً يسدّ حاجة الأسرة الجديدة .
كان المنزل هو الآخر بسيطاً جداً يتألّف من حجرة واحدة إلى جانب مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
الله وحده الذي يعلم مدى الحب الذي كان يربط بين القلبين الطاهرين ، قلب علي ( عليه السلام ) وقلب فاطمة ، كان حبهما لله وفي سبيل الله .
كانت فاطمة تقدّر في نفسها جهاد علي ودفاعه عن رسالة الإسلام . . . رسالة أبيها العظيم .
كان زوجها يقاتل في الخطوط الأولى يحمل راية الإسلام في كل المعارك والحروب التي خاضها المسلمون ولا يكاد يفارق أباها رسول الله .
فكانت تسعى إلى خدمة زوجها والتخفيف من معاناته و همومه ، وكانت نِعم الزوجة المطيعة .
كانت تنهض بأعباء المنزل فإذا جاء زوجها وجَد في ظلالها الراحة والطمأنينة والسلام .
كانت فاطمة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، نمَتْ في نور الوحي وترعرعت في فضاء القرآن .
الأسرة المثال :
الحياة الزوجيةُ اندماج لحياتين لتصبح حياةً مشتركة . . . حياة واحدة .
حياة الأسرة تنهض على التعاون والمحبّة والاحترام .
كانت حياة علي وفاطمة (عليهما السلام ) مثالاً للحياة الزوجية الكريمة .
كان علي يساعد فاطمة في أعمال المنزل وكانت فاطمة تسعى إلى إرضائه وإدخال الفرحة في قلبه .
كان حديثهما في منتهى الأدب والاحترام .
إذا نادى علي فاطمة قال : يا بنت رسول الله ، وإذا خاطبتْه قالت : يا أمير المؤمنين . وكانا مثال الأبوين العطوفين على أبنائهما .
الثمار :
في العام الثالث من الهجرة أنجبت فاطمة ( عليها السلام ) أول أولادها فسمّاه سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) " الحسن " ، وبمولده غمرت الفرحة قلب رسول الله ، وهو يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى ويغمره بآيات القرآن .
وبعد عام وُلد الحسين ( عليه السلام ) .
أراد الله أن تكون ذرّية رسوله محمد ( صلى الله عليه وآله ) من فاطمة ( عليها السلام ) .
واحتضن الرسولُ سبطيه يحوطهما برعايته ، وكان يقول عنهما : " هما ريحانتاي من الدنيا " .
كان يحملهما معه إذا خرج أو يُجلسهما في أحضانه الدافئة .
دخل رسول الله ذات يوم منزل فاطمة وكان الحسن يبكي جوعاً وفاطمة نائمة ، فأخذ إناءً وملأه حليباً وسقاه بنفسه .
ومرّ ذات يوم آخر أمام بيت فاطمة فسمع بكاء الحسين ، فقال متأثراً : " ألا تدرون أن بكاءه يؤذيني " .
ومرّ عام جاءت بعده " زينب " إلى الدنيا ، وبعدها " أم كلثوم " .
ولعلّ رسول الله تذكّر ابنتيه زينب وأم كلثوم عندما سمّاهما بهذين الاسمين .
وهكذا أراد الله أن تكون ذرية الرسول في ابنته الوحيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . . ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم .
منزل فاطمة :
بالرغم من حياتها القصيرة فقد كانت حافلة بالخير والبركات ، وكانت قدوة وأسوة للنساء ، فكانت الفتاة المثال والزوجة المثال ، والمرأة المثال ، ولهذا أصبحت سيدة نساء العالمين .
كانت مريم بنت عمران سيدة النساء في عصرها ، وكانت آسية امرأة فرعون سيدة نساء زمانها ، وكذلك كانت خديجة بنت خويلد .
أمّا فاطمة الزهراء فقد توّجها الإسلام سيدةً للنساء على مرّ العصور .
كانت قدوة في كل شيء . . يوم كانت فتاة تسهر على راحة أبيها وتشاركه آلامه ، ويوم كانت زوجة ترعى زوجها وتوفّر له سكناً يطمئن إليه ويلوذ به عندما تعصف به الأيام ، ويوم كانت أمَّا تربّي صغارها على حبّ الخير والفضيلة والخلق الكريم ، فكان الحسن والحسين وزينب ( عليهم السلام ) أمثلة سامية في دنيا الأخلاق والإنسانية.
رحيل الأب :
عاد رسول الله من حجة الوداع ولزم فراش المرض وغُشي عليه من شدّة الحمّى ، وهرعت إليه الزهراء تحاول دفع الموت عنه وهي تذرف الدموع ، وكانت تتمنى أن تموت هي بدلاً عنه .
فتح الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عينيه وراح يتأمّل ابنته الوحيدة ، فطلب منها أن تقرأ له شيئاً من القرآن ، فراحت الزهراء تتلو القرآن بصوتٍ خاشع وكان الأب العظيم يصغي بخشوع إلى كلمات الله وهي تطوف في فضاء البيت .
أراد أن يقضي آخر لحظات عمره المبارك وهو يصغي إلى صوت ابنته التي رعتْه صغيرة و وقفتْ إلى جانبه كبيرة .
والتحق الرسول بالرفيق الأعلى وعرجت روحه الطاهرة إلى السماء .
كان رحيل الرسول صدمة كبيرة لابنته البتول ولم يتحمل قلبها تلك المصيبة ، فراحت تبكي ليل نهار .
ثم وجهت لها السياسة والأطماع ضربة أخرى بعد أن اغتصبوا منها " فدكاً " وتجاهلوا حق زوجها في الخلافة .
حاولت الزهراء الدفاع عن حقّها وكان لها في ذلك مواقف غاية في الشجاعة .
كان الإمام يدرك أن استمرار الزهراء في معارضة الخليفة سيجرّ البلاد إلى فتنة ، فتضيع كل جهود الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أدراج الرياح ويعود الناس إلى الجاهلية مرّة أخرى .
طلب الإمام من زوجته العظيمة الاعتصام بالصمت والصبر ، حفاظاً على رسالة الإسلام .
وهكذا سكتت الزهراء لكنها بقيت غاضبة وتذكّر المسلمين أن غضبها يعني غضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وغضب الرسول يعني غضبَ الله سبحانه .
سكتت الزهراء إلى أن رحلت عن الدنيا ولكنها طلبت في وصيّتها أن تُدفن سرّاً .
الرحيل عن الدنيا :
كانت فاطمة كشمعة تتوهج وتحترق وتذبل ثم يخبو نورها شيئاً فشيئا .
لم تستطع البقاء بعد رحيل أبيها وتنكّر الزمان لها .
كانت أحزانها تتجدّد كلما ارتفع الأذان يهتف : أشهد أن محمداً رسول الله .
كانت تريد اللقاء بأبيها وكان شوقها يستعر يوماً بعد آخر .
وهزل جسمها ولم يعد يتحمل شوق روحها إلى الرحيل .
وهكذا ودّعت الدنيا :
ودّعت الحسن بسنواته السبع
والحسين بأعوامه الستة
وزينب بسنواتها الخمس
وأم كلثوم وردة في ربيعها الثالث .
وكان أصعب ما في الوداع أن تودّع زوجها وشريك أبيها في الجهاد وشريك حياتها .
أغمضت الزهراء عينيها بعد أن أوصت زوجها بأطفالها الصغار ، كما أوصته أن تدفن سرّاً .
وما يزال قبر الزهراء مجهولاً ، فترتسم علامة استفهام كبرى في التاريخ .
ما تزال الزهراء تستفهم التاريخ ، ما تزال تطلب حقها ؛ وما يزال المسلمون يتساءلون عن بقاء القبر مجهولاً .
جلس الإمام المفجوع عند قبرها ، وكان الظلام يغمر الدنيا فقال يؤبنّها :
" السلام عليك يا رسول الله . . عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك ، قلَّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ورقّ عنها تجلّدي . . . وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها ، فأحفها السؤال وأستخبرها الحال . . والسلام عليكما سلام مودِّع ".
الهوية :
الاسم : فاطمة الزهراء .
اسم الأب : محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
اسم الأم : خديجة .
تاريخ الولادة : يوم الجمعة 20 جمادى الآخرة العام الخامس من البعثة .
محل الولادة : مكّة المكرمة .
تاريخ الوفاة : 11 هـ .
محل الوفاة : المدينة المنوّرة .
محل الدفن : مجهول .
فالعرب في الجاهلية كانوا ينظرون للمرأة كرمز للعار وكان بعضهم يدفنون بناتهم أحياءً .
وعندما أشرق نور الإسلام منح المرأة حقّها و حدّد حقوقها كأمّ و زوجة وفتاة ، وكلنا سمع الحديثَ الشريف " الجنّة تحت أقدام الأمّهات " " رضا الله من رضا الوالدين " و المرأة أحد الوالدين .
لقد حدّد الإسلام إنسانية المرأة ، وشرّع نظاماً يحمي كرامة المرأة ويحافظ على عفّتها . فالحجاب ليس سجناً للمرأة بل وسام و فخار .
إننا نشاهد اللآلئ محفوظة بين الأصداف ، والفاكهة داخل قشور ؛ والفتاة المسلمة شرع الله سبحانه لها ما يحميها و يصونها وهو الحجاب الذي لا يحافظ عليها فحسب بل يزيدها وقاراً وجمالاً .
أما الغرب فينظر إلى المرأة كمادّة للإعلان والتجارة والربح المادّي على حساب الأخلاق وكرامة المرأة كإنسان .
وقد أدّت هذه النظرة إلى سقوط المرأة و تجرّدها عن عاطفتها ومشاعرها الإنسانية النبيلة .
وها نحن نرى اليوم تفكّك الأسرة في المجتمعات الغربية .
فالمرأة في دنيا الغرب تحوّلت إلى مجرّد دمية لا قيمة لها سواءً في السينما و الإعلانات التجارية أو سباق ملكات الجمال .
تعالوا يا أعزّاني لنتعرَّف على مثال المرأة في الإسلام مجسّداً في حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) .
فاطمة الزهراء بنت محمّد ( صلى الله عليه وآله ) .
فاطمة الزهراء زوجة علي ( عليه السلام ) .
فاطمة الزهراء أم الحسن والحسين وزينب ( عليهم السلام ) .
الميلاد :
وُلدت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بعد بعثة والدها العظيم ( صلى الله عليه وآله ) بخمسة أعوام ، وبعد حادثة الإسراء والمعراج بثلاث سنين ، وقد بشّر جبريل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بولادتها وكان تاريخ ولادتها يوم الجمعة العشرين من شهر جمادى الآخرة في مدينة مكّة .
في بيت الوحي :
نشأت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في أحضان الوحي والنبوة ، في بيت مفعم بكلمات الله وآيات القرآن المجيد .
سألتْ عائشةُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم عن سبب حبّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة هذا الحبَّ العظيم .
فلقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ينهض إذا دخلت عليه فاطمة وكان يقبِّل رأسها ويدها .
فأجاب سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) : " يا عائشة لو علمتِ ما أعلم لأحببتيها كما أحبّ . فاطمةُ بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني ، ومن سرّها فقد سرّني " .
وقد سمع المسلمون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " يقول إنّما سُمِّيتْ فاطمةُ فاطمةَ لأن الله عزّ وجل فَطَمَ من أحبّها من النار " .
كانت فاطمة الزهراء تشبه سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) في خَلْقه وأخلاقه .
تقول أم سلمة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فاطمة أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وكانت عائشة تقول : إنّها أشبه الناس برسول الله بحديثها ومنطقها .وكانت فاطمة لا تحب أحداً قدر حبّها لأبيها .
كانت ترعى أباها وعمرها ست سنين ، عندما توفيت أمها خديجة الكبرى ، فكانت تسعى لملء الفراغ الذي نشأ عن رحيل والدتها .
وفي تلك السنّ الصغيرة شاركت أباها محنته وهو يواجه أذى المشركين في مكّة .
كانت تضمّد جراحه ، وتغسل عن ما يُلقيه سفهاء قريش .
وكانت تحدّثه بما يُسلّي خاطره ويدخل الفرحة في قلبه ؛ ولهذا سمّاها سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله ) أمَّ أبيها ، لفرط حنانها وعطفها على أبيها ( صلى الله عليه وآله ) .
زواج فاطمة ( عليها السلام ) :
بلغت فاطمةُ سنَّ الرشد ، وآن لها أن تنتقل إلى بيت الزوجية ، فخطبها كثير من الصحابة في طليعتهم أبو بكر وعمر ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يردّ الخاطبين قائلاً : إنني أنتظر في أمرها الوحي .
وجاء جبريل يخبره بأن الله فد زوّجها من علي .
وهكذا تقدم علي ، والحياء يغمر وجهه ، إلى خطبة فاطمة ( عليها السلام ) .
فدخل رسول لله ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة ليرى رأيها وقال لها :
" يا فاطمة إن علي بن أبي طالب من قد عرفْتِ قرابته وفضْله وإسلامه ، وإني قد سألتُ ربّي أن يزوِّجكِ خيْرَ خلْقه وأحبَّهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين " ؟
سكتت فاطمة وأطرقت برأسها إلى الأرض حياء ، فهتف رسول الله : " الله أكبر ! سكوتها رضاها " .
مراسم العقد و الزواج :
جاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخذ بيد علي ( عليه السلام ) وقال :
" قم بسم الله وقل على بركة الله ، ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله ، توكلّت على الله " ، ثمّ قاد علياً ( عليه السلام ) وأجلسه عند فاطمة ( عليها السلام ) وقال : " اللهم إنّهما أحبّ خلقك إليّ فأحبّهما وبارِكْ في ذُرّيتهما واجعل عليها منك حافظاً وإنّي أعيذهما وذرِّيتهما من الشيطان الرجيم " .
ثم فبّلهما مُهنّئاً وقال : " يا علي نِعم الزوجة زوجتك " ، وقال لفاطمة : " يا فاطمة نِعم البعل بعلكِ " .
ووسط زغاريد النسوة من المهاجرين والأنصار وبني هاشم وُلدت أطهر وأمثل أسرة في التاريخ ، لتكون نواة لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
وقد تمّت مراسم العقد والزواج ببساطة تعكس سماحة الإسلام ، فقد كان علي لا يملك من دنياه شيئاً غير سيفه ودرعه ، فأراد أن يبيع سيفه ، فمنعه رسول الله لأن الإسلام في حاجة إلى سيف علي ، ولكنه وافق على بيع الدرع ، فباعه علي ( عليه السلام ) ودفع ثمنه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
أمر رسول الله أن يشتروا بثمنه طيباً وأثاثاً بسيطاً يسدّ حاجة الأسرة الجديدة .
كان المنزل هو الآخر بسيطاً جداً يتألّف من حجرة واحدة إلى جانب مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
الله وحده الذي يعلم مدى الحب الذي كان يربط بين القلبين الطاهرين ، قلب علي ( عليه السلام ) وقلب فاطمة ، كان حبهما لله وفي سبيل الله .
كانت فاطمة تقدّر في نفسها جهاد علي ودفاعه عن رسالة الإسلام . . . رسالة أبيها العظيم .
كان زوجها يقاتل في الخطوط الأولى يحمل راية الإسلام في كل المعارك والحروب التي خاضها المسلمون ولا يكاد يفارق أباها رسول الله .
فكانت تسعى إلى خدمة زوجها والتخفيف من معاناته و همومه ، وكانت نِعم الزوجة المطيعة .
كانت تنهض بأعباء المنزل فإذا جاء زوجها وجَد في ظلالها الراحة والطمأنينة والسلام .
كانت فاطمة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، نمَتْ في نور الوحي وترعرعت في فضاء القرآن .
الأسرة المثال :
الحياة الزوجيةُ اندماج لحياتين لتصبح حياةً مشتركة . . . حياة واحدة .
حياة الأسرة تنهض على التعاون والمحبّة والاحترام .
كانت حياة علي وفاطمة (عليهما السلام ) مثالاً للحياة الزوجية الكريمة .
كان علي يساعد فاطمة في أعمال المنزل وكانت فاطمة تسعى إلى إرضائه وإدخال الفرحة في قلبه .
كان حديثهما في منتهى الأدب والاحترام .
إذا نادى علي فاطمة قال : يا بنت رسول الله ، وإذا خاطبتْه قالت : يا أمير المؤمنين . وكانا مثال الأبوين العطوفين على أبنائهما .
الثمار :
في العام الثالث من الهجرة أنجبت فاطمة ( عليها السلام ) أول أولادها فسمّاه سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) " الحسن " ، وبمولده غمرت الفرحة قلب رسول الله ، وهو يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى ويغمره بآيات القرآن .
وبعد عام وُلد الحسين ( عليه السلام ) .
أراد الله أن تكون ذرّية رسوله محمد ( صلى الله عليه وآله ) من فاطمة ( عليها السلام ) .
واحتضن الرسولُ سبطيه يحوطهما برعايته ، وكان يقول عنهما : " هما ريحانتاي من الدنيا " .
كان يحملهما معه إذا خرج أو يُجلسهما في أحضانه الدافئة .
دخل رسول الله ذات يوم منزل فاطمة وكان الحسن يبكي جوعاً وفاطمة نائمة ، فأخذ إناءً وملأه حليباً وسقاه بنفسه .
ومرّ ذات يوم آخر أمام بيت فاطمة فسمع بكاء الحسين ، فقال متأثراً : " ألا تدرون أن بكاءه يؤذيني " .
ومرّ عام جاءت بعده " زينب " إلى الدنيا ، وبعدها " أم كلثوم " .
ولعلّ رسول الله تذكّر ابنتيه زينب وأم كلثوم عندما سمّاهما بهذين الاسمين .
وهكذا أراد الله أن تكون ذرية الرسول في ابنته الوحيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . . ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم .
منزل فاطمة :
بالرغم من حياتها القصيرة فقد كانت حافلة بالخير والبركات ، وكانت قدوة وأسوة للنساء ، فكانت الفتاة المثال والزوجة المثال ، والمرأة المثال ، ولهذا أصبحت سيدة نساء العالمين .
كانت مريم بنت عمران سيدة النساء في عصرها ، وكانت آسية امرأة فرعون سيدة نساء زمانها ، وكذلك كانت خديجة بنت خويلد .
أمّا فاطمة الزهراء فقد توّجها الإسلام سيدةً للنساء على مرّ العصور .
كانت قدوة في كل شيء . . يوم كانت فتاة تسهر على راحة أبيها وتشاركه آلامه ، ويوم كانت زوجة ترعى زوجها وتوفّر له سكناً يطمئن إليه ويلوذ به عندما تعصف به الأيام ، ويوم كانت أمَّا تربّي صغارها على حبّ الخير والفضيلة والخلق الكريم ، فكان الحسن والحسين وزينب ( عليهم السلام ) أمثلة سامية في دنيا الأخلاق والإنسانية.
رحيل الأب :
عاد رسول الله من حجة الوداع ولزم فراش المرض وغُشي عليه من شدّة الحمّى ، وهرعت إليه الزهراء تحاول دفع الموت عنه وهي تذرف الدموع ، وكانت تتمنى أن تموت هي بدلاً عنه .
فتح الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عينيه وراح يتأمّل ابنته الوحيدة ، فطلب منها أن تقرأ له شيئاً من القرآن ، فراحت الزهراء تتلو القرآن بصوتٍ خاشع وكان الأب العظيم يصغي بخشوع إلى كلمات الله وهي تطوف في فضاء البيت .
أراد أن يقضي آخر لحظات عمره المبارك وهو يصغي إلى صوت ابنته التي رعتْه صغيرة و وقفتْ إلى جانبه كبيرة .
والتحق الرسول بالرفيق الأعلى وعرجت روحه الطاهرة إلى السماء .
كان رحيل الرسول صدمة كبيرة لابنته البتول ولم يتحمل قلبها تلك المصيبة ، فراحت تبكي ليل نهار .
ثم وجهت لها السياسة والأطماع ضربة أخرى بعد أن اغتصبوا منها " فدكاً " وتجاهلوا حق زوجها في الخلافة .
حاولت الزهراء الدفاع عن حقّها وكان لها في ذلك مواقف غاية في الشجاعة .
كان الإمام يدرك أن استمرار الزهراء في معارضة الخليفة سيجرّ البلاد إلى فتنة ، فتضيع كل جهود الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أدراج الرياح ويعود الناس إلى الجاهلية مرّة أخرى .
طلب الإمام من زوجته العظيمة الاعتصام بالصمت والصبر ، حفاظاً على رسالة الإسلام .
وهكذا سكتت الزهراء لكنها بقيت غاضبة وتذكّر المسلمين أن غضبها يعني غضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وغضب الرسول يعني غضبَ الله سبحانه .
سكتت الزهراء إلى أن رحلت عن الدنيا ولكنها طلبت في وصيّتها أن تُدفن سرّاً .
الرحيل عن الدنيا :
كانت فاطمة كشمعة تتوهج وتحترق وتذبل ثم يخبو نورها شيئاً فشيئا .
لم تستطع البقاء بعد رحيل أبيها وتنكّر الزمان لها .
كانت أحزانها تتجدّد كلما ارتفع الأذان يهتف : أشهد أن محمداً رسول الله .
كانت تريد اللقاء بأبيها وكان شوقها يستعر يوماً بعد آخر .
وهزل جسمها ولم يعد يتحمل شوق روحها إلى الرحيل .
وهكذا ودّعت الدنيا :
ودّعت الحسن بسنواته السبع
والحسين بأعوامه الستة
وزينب بسنواتها الخمس
وأم كلثوم وردة في ربيعها الثالث .
وكان أصعب ما في الوداع أن تودّع زوجها وشريك أبيها في الجهاد وشريك حياتها .
أغمضت الزهراء عينيها بعد أن أوصت زوجها بأطفالها الصغار ، كما أوصته أن تدفن سرّاً .
وما يزال قبر الزهراء مجهولاً ، فترتسم علامة استفهام كبرى في التاريخ .
ما تزال الزهراء تستفهم التاريخ ، ما تزال تطلب حقها ؛ وما يزال المسلمون يتساءلون عن بقاء القبر مجهولاً .
جلس الإمام المفجوع عند قبرها ، وكان الظلام يغمر الدنيا فقال يؤبنّها :
" السلام عليك يا رسول الله . . عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك ، قلَّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ورقّ عنها تجلّدي . . . وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها ، فأحفها السؤال وأستخبرها الحال . . والسلام عليكما سلام مودِّع ".
الهوية :
الاسم : فاطمة الزهراء .
اسم الأب : محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
اسم الأم : خديجة .
تاريخ الولادة : يوم الجمعة 20 جمادى الآخرة العام الخامس من البعثة .
محل الولادة : مكّة المكرمة .
تاريخ الوفاة : 11 هـ .
محل الوفاة : المدينة المنوّرة .
محل الدفن : مجهول .