نشأة وعلوم وأساتذة الإمام السيد موسى الصدر
أ. ولادة موسى
عاشت المدن الإيرانية وشعبها المعذَّب تحت وطأة وظلم السلالة المتفرعنة التي سعت بكل قدراتها لإبعاد إيران عن تعاليم السماء ونداءات الفطرة الإنسانية، ومع ذلك فقد ثبت هذا الشعب وانتظر تلاميذ موسى الذين ما زالوا في بطون أمهاتهم.
خلال تلك الظروف، وُلد السيّد الكريم في أحد أحياء قم (في محلّة جهار مردان) في زقاق "عشّاق علي" عليه السلام (عشقعلي) في أحد البيوت الصالحة، فانتشر خبر ولادة سليل الأنبياء (ع) وسط أجواء من البهجة والسرور، وكانت عقارب الزمان تشير إلى الرابع من حزيران من العام 1928 م.
بعد عدة أيام انتخب له والده اسم موسى، نعم.. موسى.. كم هو اسم جميل ومناسب لتلك القامة، اسم يشير عند سماعه الى مواجهة الكفر والظلم، ويعيد الى الأذهان ذكريات مقارعة الطواغيت والجبابرة.
ب. مدرسة في مدرسة
انتسب السيد موسى الى مدرسة "الحياة" الابتدائية في قم سنة 1934 م، وبرز أثناء الدراسة شغفه للتعلّم، فالتحق في نفس الوقت بمدرسة ثانية لينهل منها الدين والالتزام وغاية الحياة، وكان ذلك برعاية جدّه السيّد الطباطبائي (صاحب القلب الذي حضَن التاريخ، والروح التي عانقت الشمس، والقامة التي نسجت صلابتها من أركان السماوات السبع).
ج. نهاية المرحلة الثانوية
حاز السيّد موسى على الشهادة الثانوية من مدرسة "سنائى" في قم، وكان لتلك الشهادة في ذلك الزمان أهمية خاصة لتأمين متطلبات العيش والحياة المرفَّهة، لكنه قرّر أن يُتحف أمّته المعذَّبة بصيانة كرامتها وتحقيق سعادتها على خطى أجداده الأطهار، وأراد لوجوده أن يكون شمعة أمل توقظ الغافلين وتبعث النور في قلوب المحرومين والمعذَّبين.
د. الالتحاق بحوزة قم المقدّسة
كان السيّد موسى يتلقى الدروس الحوزوية الى جانب دراسته الابتدائية والثانوية، لكنه قرّر (سنة 1941 م) التفرّغ للدراسة في حوزة قم العلميّة، وقد امتدت دراسته الحوزوية لأكثر من عقد من الزمن، وبعد اجتيازه مرحلة المقدِّمات (والسطوح المتوسطة والعالية) شارك السيّد في حلقات بحث الخارج في الفقه والأصول بالإضافة الى الفلسفة عند أساتذة الحوزة المشهورين، ومن أبرز أساتذته في حوزة قم العلمية:
في مرحلة السطوح
- آية الله علوي أصفهاني
- آية الله المحقِّق الداماد
- آية الله السيد رضا الصدر (أخوه)
في مرحلة الخارج في الفقه
- آية الله الإمام الخميني
- آية الله السيد أحمد خونساري
- آية الله حجت كوه كمره اى
- آية الله السيد صدر الدين الصدر (والده)
- آية الله المحقِّق الداماد
في مرحلة الخارج في الأصول
- آية الله المحقِّق الداماد
في الفلسفة
- آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي
- آية الله السيد رضا الصدر (أخوه)
وقام السيّد خلال دراسته بتدريس المقدِّمات والسطوح والفلسفة، وقد تمتّع بأسلوب شيّق وجذّاب في بيان المسائل المهمة والمعقدة، فنال إعجاب طلبته، وتمكّن بجهده الدؤوب من إثبات وجوده أستاذاً مميّزاً بين أساتذة الحوزة خلال مدة قصيرة.
هـ. الدخول الى الجامعة
إنتسب السيّد الى كليّة الحقوق في جامعة طهران سنة 1950 م، وتابع دراسته الجامعية الى جانب دراسته وتدريسه في الحوزة، وكانت عِمّته أول عمامة تدخل حرم تلك الجامعة، فنال شهادة الليسانس في الحقوق الاقتصادية سنة 1953 م.
إستفاد السيّد من قدراته الذاتية وهمّته العالية، وتعلَّم اللغتين الإنكليزية والفرنسية بعدما أتقن الفارسية والعربية، واغتنم الفرص الثمينة في مرحلة شبابه، وبحَث عن كل علم ومهارة تساعده على حل مشاكل الناس ومواجهة التخلّف الفكري والسلوكي عند البشر.
و. الهجرة الى النجف الأشرف
بعد وفاة والده (في سنة 1954 م)، ومن أجل الاستفادة من الفيض العلوي والأخلاقي للأساتذة العظام في حوزة النجف الأشرف، وبعد استئذان وتأييد آية الله العظمى البروجردي، قام الإمام بالتوجه الى العراق، حيث بقي فيها حتى سنة 1959 م، وقد حضر خلال تلك الفترة دروساً عند العديد من المراجع.
ومن أبرز أساتذة السيد موسى في النجف الأشرف
- آية الله السيد محسن الحكيم
- آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين
- آية الله السيد أبو القاسم الخوئي
- آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي
- آية الله الشيخ حسين الحلّي
- آية الله الشيخ صدر بادكوبه
- آية الله السيد محمود الشاهرودي
ز. فقيه عارف بزمانه
حافَظ السيد موسى في النجف (كما كان في قم) على تفوّقه بين زملائه في الدراسة والمباحثة، فأدهش جميع معارفه بنبوغه وذكائه، ونال احتراماً لدى مراجع وعلماء النجف لشخصيته الجامعة، وكانوا ينظرون إليه بعين العظَمة والأمل، حتى أنّ بعضهم لم يكن يسمح لأحد بطرح الإشكالات أثناء إلقاء درسه، إلا للسيد موسى، وكانوا يسمعون مداخلاته بدقة عالية.
تدلّ هذه المكانة على درجة الاجتهاد العالية للسيد موسى، وليس الاجتهاد الذي اعتاد عليه الكثيرون، بل استلهم جهاده من الفقه التقليدي ومناهج الجواهري والمحقق الأردبيلي والشيخ الأنصاري..، فكان فقيهاً عارفاً بزمانه مدركاً لشؤون الحياة ومتطلباتها وتحلّى بملكات الإخلاص والتقوى والزهد الضرورية لكل مجتهد..
ح. جمعية "منتدى النشر"
شارك السيد موسى في الهيئة الإدارية لجمعية "منتدى النشر" في النجف الأشرف، والتي كانت تـهتم بعقد الندوات الثقافية